هل نحن موصومون بالفشل ؟!
سقطت عبارة الرئيس "إحنا فقرا أوى" التي أطلقها في مؤتمر الشباب الأسبوع الماضى كالصاعقة على رءوس البسطاء الطامحين معه في غدٍ أفضل.. لدرجة أننى حين كنت أسير في الطريق.. استوقفنى ذلك الشاب الحالم، وسألنى: سيدى.. هل نحن حقًا "فقرا أوى" كما قال الرئيس؟
فقلت له: بل أصبحنا فقراء.. لكن مش "أوى"! فنَظرَ إلىَّ ثانية وسأل: "إّذًا.. هل نحن أغنياء؟ فأجبته: كلا.. ولكن يمكننا أن نكون!
كانت كل إجباتى تُوَاجَه بعلامات تعجب، وكأن عينيه تريدان أن تسألانى سؤالًا جديدًا.. لكن حُبه للرئيس وقناعته بسلامة نياته جعلته يستحى! مما دفعنى إلى كتابة هذا المقال الذي أريد أن يقرأه السيد الرئيس نفسه، بل كل مسئول يشعر بحق أنه مسئول عن هذا الوطن وليس مسئولًا فيه!
لأتحدث إليه لا عن الفشل الذي هو ضد النجاح كما أُتُفِقَ عليه في أدبيات اللغة.. وإنما للحديث عن أسوأ أشكال الفشل، والتي أعني بها الحالة التي يقترن فيها الفشل بعدم القدرة على استغلال الموارد المتاحة لحل المشكلة أو تحقيق النجاح، وبدلًا من أن يعزو الفشل إلى العجز في إدارته للمشكلة يرجع السبب إلى العجز في الموارد التي بين يديه!
وبداية لابد أن أُقِرُ -ليس تملقًا للسيد الرئيس- أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد تَسَلَّمَ بلدًا أعياه فشل الحكومات المتعاقبة، في استغلال الِنعَّم التي مَنَّ الله بها عليه.. وعليه ليس فقط استغلال تلك الموارد التي أُهدِرَت سنوات طويلة؛ بسبب فشل تلك الحكومات التي عزلت الأكفاء، وولت أنصافهم مواقع المسئولية، ولكن عليه أيضًا مسئولية تصحيح مسار تلك الاختيارات، وإصلاح ما أفسدته عبر سنوات من الفساد المُمَنهج.. وأن يصبح الرئيس على يقين بأننا لم نكن فقراء من قبل -بل أصبحنا- بفعل فشل "إدرة" تلك الحكومات، بل بفعل فساد كبار موظفيها، الذي استشرى في كل مؤسسات الدولة.. وأنه يمكننا أن نصبح أغنياء، إذا أحسنا استغلال مواردنا، وإذا صدقت نياتنا في محاربة الفساد، كما صدقت في محاربة الإرهاب، واعترفنا بأن عدونا الأول هو الفساد والفشل، وليس نقص الموارد والإمكانات!
فحينما جاعت مصر في العصور القديمة؛ بسبب جفاف النهر وانحسار الغذاء، لم يتباك الملك آنذاك لقلة موارد بلاده، كما فعل رئيس سنغافورة يومًا ما.. لكنه فتش عن مدير! حتى وإن كان مغضوبًا عليه، حتى وإن كان يخالفه الرأي، حتى وإن كان سجينًا –ولو في قضبة شرف- وكذلك لم يخلق يوسف نهرًا، ولم يبتكر أسلوبًا جديدًا في الزراعة، ولم يفكر في بيع الأصول والثوابت.. ولم يطلب مساعدات من أحد.. لكن طور أسلوبا جديدًا في التخطيط والإدارة.. وطلب منه فقط أن يُخول له السلطة في إدارة خزائن الحبوب! فحينما حَمَّلَ الملك مسئولية "الإدارة" لإداريٍ كُفء.. نهضت مصر من أزمتها، بل مثلت مصدر الغلال والحياة لبلاد الشام وفلسطين في وقت الأزمة!
سيدى الرئيس.. كيف يكون لدينا "الأزهر الشريف" منارة العالم في الإسلام الوسطى، وفى المقابل نصبح من أكثر الدول العربية معاناة من الإرهاب.. وتأتى مصرفى المرتبة الـ 13 عربيًا على مؤشر السلام، والأولى عالميًا في معدلات الطلاق؟!
سيدى الرئيس.. كيف يكون لدينا 108 آلاف و365 مسجدا مرخصا، بالإضافة إلى أكثر من 5 آلاف مسجد وزاوية غير مرخصة و2869 كنيسة، وظيفتها فقط تنمية الوعى الدينى وضبط الأخلاق؛ وفى المقابل نأتى في المرتبة الثانية عالميًا في التحرش الجنسى؟!
إن أسوأ أشكال الفشل سيدى الرئيس حين نمتلك جيلًا لديه استعداد كامل للتعلم.. وحينما يطرق أبواب المدارس؛ لا يجد العِلم.. ولا ينال من مشواره سوى إهدار المال والوقت، وتجشم مشقة الطريق!
فكيف يكون لدينا 49 ألفا و435 مدرسة، بموازنة سنوية تقترب من الـ 18 مليار جنيه، وتأتى مصر في المرتبة الأخيرة عالميًا في جودة التعليم الأساسى، والمرتبة قبل الأخيرة عالميا من حيث جودة التعليم؛ وتصبح مصر الأولى عربيًا من حيث نسبة الأمية؟!
كيف يا سيدى الرئيس يكون لدينا 830 مؤسسة في التعليم العالى، ما بين 23 جامعة حكومية و4 جامعات أهلية و20 جامعة خاصة، بموازنة سنوية تقترب من الـ 27 مليار جنيه، ولا تحصل الجامعات المصرية على ترتيبٍ، ضمن أفضل 100 جامعة في العالم..؟! في نفس الوقت الذي تحتل فيه الجامعات الإسرائيلية مرتبتين على تلك القائم؟!
كيف يا سيدى الرئيس تمتلك مصر 1669 مستشفى -ما بين حكومى عام وجامعى وخاص- ومركزا تعليميا وطبيا، بالإضافة إلى المستوصفات الطبية والمستشفيات الأهلية، ويعمل بوزارة الصحة قرابة 3 ملايين و600 ألف موظف، أي قرابة نصف العاملين في الجهاز الإدارى للدولة وتحتل مصر الأولى عالميًا من حيث الإصابة بالتهاب الكبد الوبائى "سي" وتنفق الأسر المصرية قرابة ربع دخلها على العلاج شهريًا.. وتحمل مصر لقب "مجتمع مريض" بجدارة؟! علمًا بأن موازنة وزارة الصحة تتجاوز الـ 47 مليار جنيه سنويًا!
كيف ياسيدى الرئيس تمتلك مصر 114 مدينة صناعية نموذجية بها آلاف المصانع على مستوى محافظات الجمهورية ومعدلات التشغيل لا تتجاوز 25% منها ولا تعمل بكامل طاقتها! وكيف تفسر سيدى الرئيس أن معدلات النمو الصناعى في مصر لا تتجاوز 9% منذ الستينيات من القرن الماضى حتى الآن؟!
وكيف تفسر سيدى الرئيس أن مصر تعد الأولى عالميًا في استيراد الأسماك المجمدة، بقيمة 385 مليون دولار سنويًا، رغم أنه البلد ربما الوحيد الذي يطل على بحرين كبيرين ويشق قلبه نهر، ويحوطه بعض بحيرات؟! بماذا تفسر إذًا امتلاك مصر 3 مصانع فقط لتعليب الأسماك رغم الحاجة إليها وامتلاك بلد في حجم المغرب لـ 350 مصنعا؟!
أعتقد أننا لسنا بطبيعتنا فقراء.. لكنه تم "إفقارنا" بفعل سياسات تنموية فاشلة تبنتها حكومات فاشلة، تم اختيارها بمعايير غير عادلة.. فلسنا بحاجة لموارد جديدة لتغنينا.. لكننا بحاجة إلى عقول وطنية واعية، تمتلك القدرة الفائقة والمهارة في إدارة ما لدينا من موارد مادية وبشرية!
إننا نحتاج لحكومة تؤمن بالإنسان قبل المورد.. فأسوأ أشكال الفشل ليس فقط حين تفقد الدول القدرة والحكمة في إدارة مواردها الطبيعية.. بل أيضًا في افتقادها الحكمة والقدرة على إدارة قدرات أبنائها!
فأسوأ أشكال الفشل يا سيدى الرئيس حين تمتلك الدول شبابًا لديه الاستعداد الكامل والقدرة على العمل والإنتاج.. ولا يجد الفرصة.. فيفرغ طاقاته على أرصفة المقاهى، وخلف شاشات العوالم الافتراضية.. فما بالك وأكثر من 40% من سكان مصر شبابا؟!