المرشد!!
قال الفنان العالمي شارل شابلن نكتة أمام جمهوره فضحكوا.. رددها مرة أخرى فضحكوا.. رددها ثالثة فلم يضحكوا فقال مخاطبًا إياهم: لماذا إذن تبكون على نفس المصيبة مئات المرات.. ولهذا فإنى قد وعدت نفسى أن أضحك دومًا مهما تكررت النكتة، وهو الأمر الذي يدفعني للضحك كثيرًا كلما أطلق أمين إعلام حزب المصريين الأحرار ذات النكتة وبنفس الأسلوب، فالتكرار يضحك الشطار وأحسب نفسي واحدًا منهم!!
أساء الرجل إلى نفسه عندما أراد أن يحسن إليها وأحسن إلى غيره عندما أراد أن يسيء إليه.. هذا ما فعله أمين إعلام حزب المصريين الأحرار بتصريحاته المتتالية والتي تناول فيها أزمة الحزب مع مجلس الأمناء علمًا بأن أمانة الإعلام هذه كانت من قبل عملا تطوعيا تحولت إلى وظيفة ذات عائد مغرٍ في التجربة التعددية الثالثة.. صحيح ليس في كل الأحزاب ولكنها في عدد ليس بقليل منها.
قال صاحب وظيفة أمين إعلام المصريين الأحرار أول ما قال إن نجيب ساويرس يمارس دور المرشد في الحزب كما كان الوضع في جماعة الإخوان الإرهابية، وهو عندما قال ذلك لم يكتشف أنه هو وليس غيره يمارس دور "المرشد"، ولكن دوره فيما قال كان مرشدًا من النوع المتعارف عليه بين العامة والخاصة "مرشد بوليس" أي أنه أراد إبلاغ أجهزة الدولة بدءًا من الأمن الوطني وحتى آخر السلسلة عن جرائم ساويرس ضد الدولة وضد الوطن وضد الناس -أي والله- هكذا كان دون أن يدرى.
قال لا فض فوه: إن ساويرس يريد للحزب أن يكون معارضًا، وبالتالي فإن سيادته يرى أن حزبا لا يحكم لا يجب أن يكون معارضًا أي يجب عليه أن "يوانس الحكومة" ويمتدحها ويثني عليها ويعيش "جنب الحيط" أما إن قدم أطروحات مغايرة للحكومة فقد وجبت عليه اللعنة واستحق العقاب وفرض علينا أن نبلغ عنه البوليس على الهواء مباشرة وهو ما فعله صاحب وظيفة أمين الإعلام بالحزب المشار إليه.
لم ينفع بلاغ أمين الإعلام الأول فأراد إثارة الفزع في قلوب رجال قسم شرطة الحكومة فأفصح عن مضمون بلاغه فقال والعهدة عليه إن ساويرس يريد أن يكون معارضًا في العلن بينما "متوافق مع السلطة في السر"، وأظن أن أمين الإعلام أراد أن يقدم نفسه على طبق من ذهب للسلطة التي يغازلها بقوله إنه مع السلطة سرًا وعلانية دون أن يتدارك مواقف ساويرس عندما يتعلق الأمر بأمن الوطن وهي مواقف مشهودة ومعروفة للقاصي والدانى.
بلاغ الأمين ضد ساويرس أثار جلبة بين العامة إذ فكر أمثالى من السذج والبسطاء في الجرائم التي قد يكون ساويرس قد ارتكبها وسرت شائعات بأن المبلغ سيدلى بما هو فاصل وحاسم في الحكاية فتمخض الأسد وولد فأرا بأربع أرجل عندما قال إن ساويرس اعترض على موقف الحزب من فصل العضو توفيق عكاشة من مجلس النواب في المسرحية الهزلية التي دارت رحاها على مرأى ومسمع من الناس.
وأضاف في بلاغه التفسيرى: إن ساويرس قال لقادة الحزب ومن بينهم عصام خليل وعصام خليل لمن لا يعرف هو رئيس الحزب "كيف تهاجمون إبراهيم عيسى صديقى ؟" إذن هذه هي لائحة الاتهام التي يقدمها أمين الإعلام لرجال البوليس في قسم شرطة الأحزاب السياسية.. إن صحت المعلومات الواردة في البلاغ المشار إليه والمقدم من أمين إعلام الحزب ضد ساويرس فإن المصيبة كبيرة وإن كانت وقائعه إفكًا فإن المصيبة أكبر.
لو صح ما ورد في بلاغ أمين الإعلام فإن ساويرس لديه وجهة نظر مغايرة لما تورط فيه حزب جاء بعد ثورة ورأى أن مسرحية إخراج توفيق عكاشة من مجلس النواب ما كان ينبغي لحزب ولد من رحم الثورة أن يشارك فيها أما قضية تأديب وتهذيب وإصلاح إبراهيم عيسى فإنها بلا شك فضيحة لكل من شارك فيها وهو الأمر الذي فطن إليه رئيس مجلس النواب عندما غسل يديه من جريمة إيقاف برنامجه إذ أننا ولو شكليًا في عصر لا ينبغي فيه أن توقف صحيفة أو يعدم صاحب رأى بإقصائه أو تهميشه.
والمثير أن أمين الإعلام صاحب البلاغ واحد من الجماعة الصحفية التي تدرك حجم المعارك التي خضناها دفاعا عن الرأي والرأى الآخر ويعرف هو وغيره أن تباين الآراء يثرى الوطن ويحميه من شر الانغلاق والتقوقع وغياب الرؤية الأخرى مهما كانت شاردة مسألة حياة أو موت إلا إذا كان صاحب البلاغ يرى أن إبراهيم عيسى يستحق هو الآخر بلاغًا يشكك في وطنيته وهو الأمر الذي نستبعده عن إبراهيم وأيضًا عن صاحب البلاغ المشار إليه.
إذن فساويرس وقع في المحظور الذي تطلب من أمين الإعلام أن يقدم على ما أقدم عليه.. ساويرس متورط حتى النخاع في الدفاع عن دولة الرأى وهي دولة معادية لأمثال الأمين وهو متورط حتى النخاع أيضا في الدفاع عن دولة المؤسسات التي ما كان ينبغى لأطراف فيها أن تتورط في تلويث سمعة النظام بالإقدام على منع رأى يجاهر بما يراه صالحا لهذا الوطن وإن اختلف مع النظام.
أما المثير حقًا فإن دفاع ساويرس عن توفيق عكاشة لو صح فإنها الميزة التي يجب عليه أن يتباهى بها فما لا يعرفه الأمين أن عكاشة كان دائم الهجوم على ساويرس وعلى الهواء في برنامجه وقناته التي أجهضت بليل فإن صح دفاعه فإن الأمر هنا يجب أن يوضع في مساره الصحيح عندما تدافع عن صاحب رأي كان دائم الهجوم عليك إذن أن تدافع عن قيمة بصرف النظر عن وجهة نظر صاحبها فيك وأخيرا أقول ما قاله جون وليامز: "ما فائدة الدنيا الواسعة إذا كان حذاؤك ضيقًا"!!