تقارير المكاتب الاستشارية لسد النهضة ممنوعة بأمر إثيوبيا.. الرئيس محذرا بعد تأخر أول التقارير الفنية: المياه مسألة حياة أو موت.. والبشير يتهم الإعلام المصري بتشويه الصورة
يبدو الأمر منطقيًا في تسلسله، محاولات على مستوى الخبراء الفنيين، مراسلات هادئة بين وزير الري ونظيريه السوداني والإثيوبي ثم زيارة من وزير الخارجية وأخيرًا زيارة رئاسية سبقها تلميح يحمل إشارات وصول الغضب لآخره أكثر من طمأنة لشعب قلق على موارده المائية.
منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، تحديدًا على لسان مصادر داخل وزارة الخارجية المصرية، تم الإعلان عن قمة مرتقبة بين سامح شكري، وزير الخارجية، ونظيريه الإثيوبي والسوداني؛ لمناقشة ملف سد النهضة وتأخير التقارير الفنية الأولى للمكاتب الاستشارية التي كان من المفترض إرسالها في نوفمبر الماضي وهو أمر لم يحدث.
الخبر المُسرب هذا لم يتم نفيه على أي مستوى سواء من الخارجية المصرية ذاتها أو على لسان قيادات سودانية أو إثيوبية، الأمر الذي أكدته مصادر داخل اللجنة الوطنية لسد النهضة من طلب القاهرة لعقد تلك القمة خلال الشهر الجاري.
انعقدت القمة بين «شكري» ونظيريه الإثيوبي الجمعة الماضي بمقر الخارجية الإثيوبية في الوقت الذي تحدثت فيه وكالات عالمية عن خلافات بين أديس أبابا والخرطوم بشأن سد النهضة سرعان ما نفتها الأخيرة، مؤكدة علاقتها الجيدة مع الأولى.
كواليس انعقاد تلك القمة تشير إلى أنها لم تكن من قبيل الصدفة فوفق معلومات توفرت لـ«فيتو» من داخل اللجنة الفنية لسد النهضة يتضح أن هناك توترًا بين القاهرة وأديس أبابا خلال الفترة الماضية تمثل في أكثر من مشهد وانتهى بتحريض إثيوبي للمكاتب الاستشارية بتأجيل إصدار أي تقارير تخص سد النهضة.
التوتر بدا واضحًا في موقف إثيوبيا من عودة مصر للقارة السمراء، خاصة بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أوغندا الشهر الماضي، تلك الزيارة التي تبعتها زيارة أخرى أجراها رئيس جنوب السودان سلفاكير إلى القاهرة، وهو ما أثار خوف رئيس الوزراء الإثيوبي «ديسالين» الذي أبدى امتعاضه من تلك الزيارة فيما خرجت وسائل إعلام إثيوبية -مقربة من السلطة- لتشير إلى أن هناك اتفاقيات خفية بين جنوب السودان والقاهرة تتعلق بالمجال العسكري.
خوف إثيوبيا الأساسي يعود إلى أن جنوب السودان هي الدولة الوحيدة التي تربطها بها أكبر حدود من ناحية سد النهضة، ما يعني أن تقارب القاهرة معها نذير خطر على مشروعهم الأهم، أما أوغندا فهي أكبر الدول الأفريقية بعد مصر وإثيوبيا وأكبر داعم لسد النهضة.
تلك التقارير التي تغاضت عنها القاهرة مكتفية بتأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مصر دولة لا تتدخل في أي شئون داخلية لأي دولة أخرى لم تكن إلا مقدمة فقط لتبرير ما فعلته إثيوبيا في الخفاء -وفق مصادر داخل اللجنة الفنية- والتي أكدت أن أديس أبابا لم تطلب من المكاتب الفنية إعداد أول تقرير فني عن السد والمفترض تقديمه في نوفمبر الماضي وفق الاتفاق الذي تم بين الدول الثلاث «مصر - إثيوبيا - السودان» في سبتمبر الماضي والذي نص على تقديم أول تقرير بعد شهرين.
وبالتوازي مع ذلك امتنعت السودان لأكثر من شهر عن دفع حصتها المالية من تكلفة الدراسات الفنية وهو ما كشفته صحيفة «سودان تربيون» التي أكدت أن ذلك أحد أسباب تأجيل إرسال التقرير الفني حتى الآن، فيما خرجت السودان -على لسان رئيسها عمر البشير- لتؤكد أن كل ذلك لم يحدث، وأنها ملتزمة بكل الاتفاقيات والالتزامات المالية التي وقعتها.
«البشير» أضاف في تصريحات صحفية أن العلاقات بين مصر والسودان جيدة وإنه لا ضرر سيقع على القاهرة نتاج سد النهضة، متهمًا الإعلام بأنه وراء تلك الشائعات التي لا تستهدف سوى إفساد العلاقات بين البلدين على حد قوله.
صحيفة «سودان تربيون» بدورها أوضحت في تقرير لها أن المكتبين الاستشاريين لسد النهضة «بي. آر» و« إرتيليا» هما في الأساس اختيار إثيوبيا التي رفضت ضم المكتب الهولندي رغم أنه الأقوى والأكثر خبرة، وكان واضحًا أن المكتبين لديهما علاقات طيبة مع إثيوبيا التي باتت فعليًا المتحكم الأساسي في خط سير المكتبين.
الصحيفة السودانية لم تستبعد أن يكون تأخير التقرير الأول سببه أمر مباشر من رئيس الوزراء الإثيوبي «ديسالين»، إذ أن نبرة الغضب واضحة من الجانب الإثيوبي خلال الفترة الماضية؛ بسبب التحرك المصري الإثيوبي التي وصفته الصحيفة بأنه يحمل الكثير من الدلائل والرسائل لأديس أبابا بأن القاهرة تستطيع الوصول إلى سد النهضة في الوقت الذي تريده ومن خلال حلفاء أفارقة سيفتحون الطريق أمام أي تحرك مصري، أما الخلافات السودانية الإثيوبية فهي لعبة لا أكثر.
من ناحية الجانب المصري فقد التزمت القاهرة الصمت مكتفية بتصريح المهندس وليد حقيقي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الري، والذي أكد أن التقرير الأول سيصل منتصف يناير، ثم رفض التعليق بعد ذلك على تأجيل التقرير الأول حتى الآن.
هذا الصمت الذي تقابله تصريحات إثيوبية مهاجمة دفعت الرئيس السيسي إلى التأكيد خلال مؤتمر الشباب بأسوان أن المياه «مسألة حياة أو موت»، مؤكدًا أن التفريط في أي نقطة مياه هو درب من الخيال، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن العلاقات جيدة مع إثيوبيا.
تلك الصرامة في قول «حياة أو موت» لم تكن فقط من أجل طمأنة الشعب المصري لكن في طياتها حملت رسالة إلى رئيس الوزراء الإثيوبي «ديسالين» بأن القاهرة لا تقبل أي هزل فيما يخص ملف المياه، وبحسب الدكتور محمد نصر علام، وزير الري الأسبق، فإن كل مراحل مفاوضات سد النهضة متعثرة حتى يتدخل الرئيس، ووقتها يصبح حلها أمرًا مطروحًا، متوقعًا أن تلك اللهجة لم تكن إلا لإنجاز التقرير الأولى الذي أوضحت وسائل إعلام إثيوبية تسلم الرئيس هذا التقرير خلال مشاركته في القمة الأفريقية.
الدكتور علاء الظواهري، عضو اللجنة الفنية السابقة لسد النهضة لم يستبعد هذا السيناريو، مؤكدًا أن الرفض الإثيوبي للمكتب الهولندي -رغم أنه العرض الأفضل من الناحية المالية والخبرة العالمية- كان يعني أنها ستكون المتحكم الأول في تلك المكاتب خلال فترة المفاوضات.
«الظواهري» قال أيضًا: إثيوبيا تستفيد على كل المستويات، فلا يوجد نص يلزمها بوقف البناء وهو الخطر الأفدح خلال المفاوضات الفنية، أما المكسب الثاني فهو تأخر الدراسات الفنية لتلك المكاتب التي ستعجز عن الانتهاء من الدراسات خلال 11 شهرًا، كما تم الاتفاق، وبالتالي يعطيها فرصة أكبر لإنجاز المرحلة الثانية من السد، وهناك بند في اتفاقية المبادئ يشير إلى التعويض، أي أنه في حالة عجز إثيوبيا عن تعديل أي شيء في سد النهضة ستلجأ للتعويض وهو ما يعني مكسبًا هائلا لها.
"نقلا عن العدد الورقي.."