هل تفضل دعما نقديا أم عينيا ؟
فوجئ المصريون بقرار زيادة سعر السكر التمويني من 7 جنيهات إلى 8 جنيهات للكيلو وهذه الزيادة التي جاءت بقرار من وزير التموين تعد الزيادة الثالثة خلال أربعة أشهر فقط، حيث كانت الأولى في 15 أكتوبر الماضي بزيادة السعر إلى 6 جنيهات للكيلو بدلًا من 5 جنيهات، والثانية في 23 من نفس الشهر لتصل إلى 7 جنيهات بدلًا من 6 جنيهات، حتى قرر اللواء محمد على مصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية، بالزيادة الأخيرة والذي تضمن كذلك زيادة سعر عبوة الزيت 800 جرام إلى 12 جنيها بدلا من 10 جنيهات، بما تعد ثاني زيادة لسعر الزيت التمويني خلال شهر، في حين يبلغ سعر عبوة المسلى النباتي زنه 500 جرام 13 جنيهًا بدلا من 11.75 جنيها، على أن يتم تنفيذ القرار اعتبارا من مقررات شهر فبراير الحالي.
وأرجع المسئولون هذه الزيادة إلى رفع سعر طن قصب السكر للمزارعين إلى 620 جنيها بدلا من 500 جنيه، بما جعل تكلفة الكيلو السكر تصل إلى 10 جنيهات فتتحمل الدولة دعما بمقدار جنيهين، كما أن تكلفة إنتاج عبوة الزيت التمويني 16 جنيها في حين سيتم بيعه على البطاقات بسعر 12 جنيها، وكان ارتفاع سعر الدولار وراء زيادة أسعار الزيت على البطاقات نظرا لأنه يتم استيراد أكثر من 95% من زيت الطعام من الخارج بالعملات الأجنبية.
والسؤال هنا هل سيستمر إذلال المواطن المصري الفقير بدعمه العيني إلى فترة طويلة؟
يأتي الإذلال من وضعه تحت رحمة الحكومة التي ترفع أسعار السلع التموينية ما تشاء في أي وقت فتضطرب أحواله المعيشية ولا يجد حلا سوى الخضوع لأحكام الحكومة..
المعروف في مصر أن الدولة تدعم الفقراء بدعم عيني متمثل في بعض مشتقات البترول والكهرباء والخبز وبعض السلع التموينية، وبدأت الدولة في سياسة تخفيض ذلك الدعم حتى يتم البدء في خفض عجز الموازنة العامة للدولة، وبعد قرارات الحكومة بتعويم الجنيه ورفع أسعار مشتقات البترول بما أثر في وجود موجة عاتية من رفع كل أسعار السلع بصورة تكاد تكون غير مسبوقة، فالسؤال الذي ينبغي أن يطرح للنقاش هو هل من المفيد أن يكون الدعم نقديا أم يستمر عينيا؟
من وجهة نظري ينبغي أن يكون الدعم نقديا وسأقدم أسبابا ذلك، لكني أؤكد أنني أحترم تماما وجهة النظر التي تطالب بأن يستمر ذلك الدعم عينيًا، ولا أصادر عليها.
بداية نجد أن دعم المواد البترولية في موازنة 2016/ 2017 بلغ61.7 مليار جنيه مقابل 100.3 مليار جنيه في موازنة العام المالي السابق بسبب الانخفاض الكبير في أسعار خام البترول العالمية وإجراءات الإصلاح.
ونجد 31.1 مليار جنيه دعم الكهرباء في موازنة 2016/ 2017 مقابل 27.2 مليار جنيه العام السابق بزيادة 14.1%، وكشف البيان المالي للموازنة العامة للدولة للعام المالي 2016 / 2017، الصادر عن وزارة المالية، رفع قيمة الدعم للسلع التموينية بقيمة 3.364 مليارات جنيه، ليصل بتلك الزيادة إلى 41.115 مليار جنيه، مقارنة بـ37.751 مليار جنيه قيمة الدعم في العام المالي السابق 2015 / 2016، بنسبة زيادة 8.9%.
وبحسبة بسيطة نجد أن ذلك الدعم يناله الأغنياء قبل الفقراء ولا يصل لمستحقيه كما ينبغي، وقبل أن يصل بعضه للمستحقين يكون قد نهب تماما، فإذا افترضنا أن الدولة استطاعت أن تضع آلية واضحة لمستحقي الدعم من خلال مستوى الدخل الذي من السهل كشفه بالوسائل الحكومية، سنجد أن ما يقرب من 40 مليون مصري يستحقون الدعم بدلا من 70 مليون حاليا فيهم الوزراء ومن دونهم، فإذا تم توزيع الدعم نقديا فسيكون نصيب الفرد من دعم المواد البترولية ناتجا من 61 مليار جنيه على 40 مليونا ينتج 1525 جنيها للفرد، ونصيبه من دعم الكهرباء يكون 31 مليار جنيه على 40 مليونا ينتج 775 جنيها للفرد.
ودعم السلع التموينية والخبز 41 مليار جنيه على 40 مليون نسمة يساوي 1025 جنيها للفرد.
فيكون نصيب الفرد الواحد من الدعم 3325 جنيها سنويا على 12 شهرا ينتج 277 جنيها شهريا، في حين أن نصيب الفرد حاليا من دعم التموين 21 جنيها، وهو الدعم الذي يشعر به المواطن مع دعم الخبز لكنه لا يستفيد استفادة مباشرة من دعم البترول، حيث في الغالب لا يمتلك سيارة وإذا امتلكها فليست في مستوى السيارات الفارهة المستهلكة للبنزين وبالتالي الدعم، كما أن دعم الكهرباء بدأ في التناقص حتى يختفي تمامًا، فلو أن الحكومة أعطت ذلك الدعم النقدي للمستحق، ثم قامت بدورها في مراقبة الأسواق بالفعل فسيتحقق ما يلي:
1- الدعم للمستحق فقط: لأنه بتحديد الفئة المستحقة للدعم سيصلهم هم فقط الدعم بينما لا يستمتع به القادرون بما يوفر مليارات الجنيهات تعود مرة ثانية على المستحقين فيتعاظم قيمة الدعم النقدي.
2- توفير المليارات بالاستغناء عن طرق توصيل الدعم العيني: فنجد مثلا أن وزارة التموين التي من المفترض أن تقوم بتوصيل الدعم العيني لن يكون لها دور ويحول موظفوها لجهات أخرى للاستفادة منهم بما يوفر مليارات الجنيهات تصرف كحوافز وبدلات وانتقالات ووسائل نقل هذا فضلا عن التكلفة غير المباشرة التي يتحملها الجهاز الشرطي والقضائي لمعاونة الوزارة في أداء عملها.
3- القضاء على الفساد في منظومة الدعم: لأن السلعة يكون لها سعر في التموين أقل من سعرها خارج التموين فلن تستطيع الجهود منع الفساد تمامًا والقضاء على تهريب السلع التموينية لكن بالدعم النقدي نقضي على الفساد.
4- ترشيد الاستهلاك: كلما كانت السلعة مدعمة من الدولة يكون سعرها أرخص مما يجعل المواطن يتكالب عليها لتحقيق فارق سعر لكن بسعرها الطبيعي لن يأخذ سوى احتياجاته فقط.
5- حرية المستحق في توجيه دعمه لما يشاء: فبالدعم النقدي يستطيع المستحق أن يوجهه كيفما شاء وليس شرطا للسلع التموينية.
6- تحقيق آلية أفضل للسوق: فالدولة مثلا تقوم بدعم القمح مرتين، مرة عبر شرائه من الفلاحين بأسعار أعلى من السعر العالمي ومرة ثانية بتقديمه للمستهلك بسعر يعادل جزءا بسيطا من تكلفته، لكن بعد أن يلغى الدعم العيني على القمح ويباع الرغيف بسعره العادل سيقل الطلب عليه ويتوجه الطلب إلى سلع أخرى مثل البطاطس مثلا بما يعني زيادة مساحتها المزروعة وتوفير في استيراد القمح وفي الوقت ذاته ستنخفض الحاجة لاستيراد القمح وينخفض سعره، أي أن السوق ستعمل بكفاءة.
7- استغلال الدعم كحافز: إذا أردت تقديم دعم نقدي للأسر الفقيرة التي لديها أطفال فما رأيك أن تربط الحصول على هذا الدعم باستمرار الطفل في المدرسة، ألن يقلل ذلك من نسب التسرب المبكر من الدراسة؟ وما رأيك أيضا أن تجعل الدعم الإضافي الذي يحصل عليه الطفل الأول في الأسرة أكثر من الثاني، والثاني أكثر من الثالث، وهكذا، ألا يمكن أن يكون ذلك عاملا مساعدا على تنظيم الإنجاب؟ هذه مجرد أمثلة قليلة لما يمكن أن تحققه إن ربطت حصول المواطنين على دعم نقدي بسلوكيات إيجابية.
8- سد أبواب الفساد: لو قرأت أي تقرير للموازنة المصرية ستجد كثيرا من التفاصيل عن أسعار القمح والوقود وآليات التعاقد لشرائهما وتحركات الأسعار المتوقعة وتأثيرها فى تكلفة الدعم، ذلك يمنحك فكرة بسيطة عن درجة تعقيد مسألة التعاقد على شراء السلع المدعمة، قس على ذلك بقية المراحل والإجراءات من نقل وتوزيع وتخزين وترخيص وتسعير إلى آخره، الأمر الذي يجعل مسألة المحاسبة والرقابة في غاية الصعوبة ويزيد كثيرا من فرص وجود ثغرات ينفذ منها الفساد.. بالمقابل فإن الدعم النقدي يقتصر على دفع مبالغ وفق معايير كمية واضحة (مقدار الدخل - عدد أفراد الأسرة) وبإجراءات بسيطة، الأمر الذي يقلل كثيرًا من فرص الفساد والإفساد.. لكل تلك الأسباب أعتقد أن خيار الدعم النقدي هو الأمثل لمصر حاليا كبديل عن الدعم العيني المطبق منذ عقود، أما متطلبات ونظم وآليات الدعم النقدي كما أراها فيلزمها مقال آخر.