«ترامب» ليس «جورباتشوف».. و«سعد الصغير» ليس «شتراوس»!
المُتتبِّع لأفول قوتي بريطانيا وفرنسا على المستوى العالمي، وتحوُّلهما من قُطبي العالم، لتلعبا دور السنيِّد للقوى الصاعدة الجديدة الاتحاد السوفيتي والولايات المُتحدة الأمريكية، يُدرك بسهولة أنه ليس شرطًا على الإطلاق أن تتفكَّك الولايات المُتحدة، وتتحوَّل إلى عدة دويلات لتنهار، وتفقد سيطرتها على العالم، مثلما حدث مع الاتحاد السوفيتي الذي شهد ذات النهاية في مطلع التسعينيات!
باختصار ليس شرطًا أن تتفكَّك الدولة وتتحلل إلى شوارع وحواري لكي تنهار أو تفقد سيطرتها ودورها-المُنفرد- على مستوى الكوكب مثلما أشارت الزميلة الإماراتية(عائشة سلطان) في مقالها المنشور بجريدة البيان، تحت عنوان "ترامب.. هل يكون غورباتشوف الولايات المتحدة؟" ففرنسا لم تفقد ذرَّة واحدة من ترابها، وبريطانيا لم تتحلل إلى إنجلترا واسكتلندا وويلز مثلًا، لذا فإن النهاية حتى ولو كانت حتمية، فلا ينبغي حتمًا أن تكون مُسبباتها أو مظاهرها واحدة!
وعلى الرغم من أن فرنسا وإنجلترا تراجعتا لتلعبا أدوارًا ثانوية على المستوى العالمي، لدرجة أن إنجلترا أو بالأحرى بريطانيا تحوَّلت خصوصًا في عهد (توني بلير) لكلب وَفي للولايات المُتحدة لا سيما وهى تغزو العراق، فتشمشم المملكة التي لا تغيب عنها الشمس الطريق، وهى تركض خلف صاحبها (جورج بوش) الابن، والسلسلة حول رقبة رئيس وزراءها، الذي اعترف بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الجريمة، أن الأدلة لم تكُن كافية أصلًا لغزو العراق، لكن السلسلة كانت أقوى من رقبته، والعضمة أقوى من إرادته!
بالمُناسبة.. هل يُذكِّرك هذا بمُشاركة الشخص الذي كان يرأس هيئة الطاقة الذرية، والذي منح الأمريكان رُخصة ـ لم يكونوا في حاجة إليها بشكل مُباشر ـ لتدمير العراق، ودس أنوفهم في المنطقة أكثر وأكثر، ولكنها كانت رخصة مهمة كونها صادرة من مَن يُقال إنه عربي ومُسلم حتى يكون تدميرنا في دقيقنا!
المُهم يعني أن صعود قوى الاتحاد السوفيتي والولايات المُتحدة صاحبه تراجع مُطرد لدوري فرنسا وبريطانيا، والأهم أن انهيار الاتحاد السوفيتي والذي بدأ بانهيار سور برلين، ومن ثم سياسة البرسترويكا لـ(جورباتشوف)، ما أدى لتدمير كُل شيء، وانهيار الكيان السوفيتي بالفعل لتميل الأرض بحالها تجاه الغرب الأمريكي وحده، لا يعني كُل هذا أن كُل قوة أو حضارة ينبغي أن تنهار أو تتفكك لتفك قبضتها عن العالم قليلًا، وتسيب رقبته في حالها!
إذ يُمكن الاستعاضة عن ذلك بتراجع ذات الدور الدولي بسبب تهديدات ما، أو رغبة في الالتفات قليلًا للداخل ولشئون الذات كما قال (ترامب) نفسه مثلًا، مع مُصاحبة ذلك بنهوض أكثر وأسرع لقوى أخرى في الصاعد مثل الصين واليابان، وكذلك روسيا التي صارت تكسب المزيد من المعارك ـ الصغيرة والفارقة ـ لتحتل أرضًا سياسية تعوِّض بها أجزاء مهما كانت ضئيلة مما فقدته خلال الربع قرن الأخير، إلا أن ما لا يُدرَك كُله لا يُترَك كُله، وطريق الألف ميل دائمًا ما يبدأ بخطوة، كانت حتمًا قد تمت بنجاح في أوكرانيا ثم في سوريا بالنسبة للروس!
لذا فإنى لا أتوقع أن تشهد الولايات المُتحدة انهيارًا مُشابهًا للانهيار السوفيتي في فترة حُكم (ترامب) كما توقَّعت الزميلة الإماراتية العزيزة، أو تمنَّت، لكن قد يتراجع الدور الأمريكي قليلًا أو كثيرًا في ظل ترتيب الأوراق والأولويات، والالتفات للبناء في الداخل وحماية تلك المُكتسبات، حتى ولو عن طريق الجدار المُزمع إقامته بين أمريكا والمكسيك؛ لمنع تدفُق الهجرة غير الشرعية من الجنوب الفقير للشمال الغني، ولا أعتقد أن هذا الجدار يُمكن مُقارنته بجدار برلين مُطلقًا، كما تمت الإشارة في مقال الزميلة، وهى مُقارنة ـ لعمري ـ تُشبه المُقارنة بين (سعد الصغير) و(يوهان شتراوس)!