الثورة المفترى عليها
بعد 6 سنوات من قيام ثورة يناير 2011 ما زال بعض المصريين وكثير من الإعلاميين وأصحاب المصالح يدعون أنها كانت مؤامرة على الوطن رغم أن هؤلاء اختلفوا حول أهداف تلك المؤامرة المزعومة.
بعضهم ادعى أنها جزء من المؤامرة الكونية ضد مصر لأنها محور الكون حيث تشرق منها الشمس وتغرب فيها وحولها تدور الدول الكبرى.. أما أطفاله فهم أذكى الأطفال في العالم وكبارها أعظم وأقوى مواطنى العالم.
وبعضهم ادعى أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي تآمرت لتمحو مصر من الوجود وتلغى الحدود وتمسح التاريخ وتؤسس الدولة الدينية.
وبداية دعونا نتوافق على بعض الأشياء حتى يمكن أن نبدأ النقاش:
أولا، أن الثورة ليست إلغاء لدولة المؤسسات الدستورية فكل الدساتير نصت على أن الشعب هو مصدر السلطات وأن الحكومات تدير البلاد لفترة مؤقتة بموافقة الشعب وبالشروط الواردة في الوثيقة الدستورية.. إذا فالثورة هي لحظة يستعيد الشعب فيها سلطته بغرض تغيير السلطات الحاكمة التي أخلت بالعهد الدستورى.
ثانيا، دعونا نتفق أن في كل عصر هناك مستفيدين من نظام الحكم والنظام الاجتماعى ويرغبون في استمرار النظام الذي تكمن فيه مصالحهم وثرواتهم ويرفضون ولو مجرد تهديد لمكتسباتهم وهؤلاء ضد التغيير من حيث المبدأ إلا إذا ضمن التغيير لهم مزيدا من المصالح ودون أي مخاطر.
ثالثا، أن الثورة هي حراك شعبى بالأساس تنزل فيه كتلة حرجة من المواطنين لتطالب بالتغيير بغض النظر عن نوع أو تجاه هذا التغيير وأن الفارق الواضح بين الثورة والانقلاب هو سبق الحراك الشعبى لتحرك القوات المسلحة وهو ما حدث في 2011 وفى رأيى أنه تكرر في 2013 وأن هذا عكس ما حدث في 1952 بخروج الجيش ضد الملك وفى 1954 بخروج جمال عبد الناصر ضد رئيس الجمهورية محمد نجيب مثلا.
رابعا، أن جماعة الإخوان المسلمين أعلنت بما ليس فيه مجال للشك أنها لن تشارك في الحراك الشعبى في يناير 2011 وأن رأيها الرسمى على لسان مرشدها العام كان يعتبر الرئيس الأسبق مبارك أبًا لكل المصريين وترحب باستمراره في الحكم بعد أكثر من ثلاثين عاما ورغم الانهيار التام في الخدمات وشهداء الخبز وأنابيب البوتاجاز والقطارات والفساد غير المسبوق في البلاد وتغيير الدستور ليجعل شروط الترشح للرئاسة لا يمكن تحقيقها إلا لشخص واحد هو نجل الرئيس الأسبق وزادت الجماعة تأكيدا لتوجهها بفصل كل الشباب الذين شاركوا في بداية الثورة خروجا على التوجيه بعدم المشاركة.
خامسا، أن الثورة في بدايتها لم تكن تهدف إلى تغيير شخص الحاكم بقدر ما كانت تهدف إلى تغيير النظام الحاكم وأن الأخطاء السياسية الفادحة في التعامل مع الحركة الاحتجاجية سواء بالتأخر في الرد أو التغيير الشكلى للوزارة وعدم الرد المباشر على الطلبات الأساسية للشعب وهى العدالة الاجتماعية والعيش والحرية كانت السبب الرئيسى في ارتفاع سقف المطالب إلى خلع الرئيس الأسبق.
وأستطيع أن أقول إن مطالب الثورة الأساسية قد يعتبرها البعض مؤامرة عليهم فكبار المستوردين البليونيرات من احتكار استيراد السلع الأساسية بتواطؤ من دولة الفساد يعتبرون أي مشروعات تحمل مزيدا من فرص العمل الدائمة وزيادة الإنتاج المحلى مؤامرة عليهم ويحاربون ذلك بكل قوة وعنف.
وبعض رجال الأعمال الذين لا يؤدون الضرائب ولا يدفعون أجورا عادلة للعاملين ويسيطرون على الساسة لا يقبلون بتغيير هذه المزايا غير الموجودة في بلاد العالم المتقدم.
وأبناء الدولة الأمنية الذين يعتمدون على تخويف الشعب والخروج على القانون والدستور ويبرعون في التنصت على المواطنين خارج نطاق القانون والدستور ويستخدمون الخطف والتعذيب في تخويف المواطنين يعتبرون الحريات الدستورية وتطبيق القانون مؤامرة عليهم.
ويعتبر أصحاب المصالح الذين يستغلون النظام الفاسد الذي يمنح من لا يعملون ولا ينتجون من أصحاب الحظوة أكبر الأجور وأعظم المزايا الاجتماعية من تأمين صحى واجتماعى وترفيهى ومعاشات ولا يجود إلا بالفتات على من يكدحون ويتحملون المسئولية والخطورة ويزيدون باستغلال النظام الطبقى لخدمة مصالحهم والحفاظ على ثرواتهم والتمكين لأبنائهم والمقربين منهم ويتمتعون باستغلال الفقراء في خدمتهم يعتبرون العدالة الاجتماعية خطرا ومؤامرة عليهم.
والحقيقة أنى لم أصدم فيما يجرى الآن من تشويه لثورة يناير وتبادل الأدوار بين المقربين من السلطة الذين يداومون على تشويه الثورة وبين الرأى الرسمى للسلطة الذي يراعى ثورة يناير في التصريحات ولا يدافع عنها أمام المحاولات المستمرة للتشويه ممن يرعاهم من الإعلاميين والذين تمدهم بعض أجهزة الدولة بالمادة التي يستخدمونها في هذا التشويه.
وأستطيع أن أقول إننا في يناير 2011 قد قمنا بثورة شعبية نزل فيها الملايين كل بنيته، وكمواطن مشارك في الثورة كان فهمى للعيش على أنه فرص عمل وتنمية بينما كان فهم غيرى أنه مزيد من الدعم الحكومى والمنح لغير العاملين، كان فهمى للحرية يعنى تعبيرا سلميا منضبطا عن الرأى في إطار حقوق دستورية وقانونية واضحة وحساب لكل متجاوز.. بينما كان فهم آخرين أنه لا حدود ولا قيود ولا حساب.
كان فهمى للعدالة الاجتماعية أنها ربط للأجور والمزايا الاجتماعية بالجهد وتحمل المسئولية والخطورة والإنتاج ونظام ضريبى عادل بينما كان فهم آخرين كراهية الأغنياء والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم، كان نزول الكثيرين وأنا معهم ضد مخالفات ليس ضد أفراد الشرطة أو ضد مؤسسة الشرطة والفساد ونزلنا ضد الجريمة المنظمة والتلاعب بالدستور والتحايل والتطبيق الانتقائي للقانون ولم ننزل طلبا لمزيد من الفوضى ومزيد من الفساد وسيادة الجهل والصوت العالى ونشر التمييز والكراهية.
ولا أنسى أن أذكر أن الثورة كانت ثورة سلمية تماما وسجل العالم كله إعجابه وأظهر رغبته في دعم التحول الديمقراطى الحقيقى في مصر بكل طريقة، لا أنسى أن الأسابيع الأولى للثورة لم تشهد أي انفلات أمني رغم الانسحاب الكامل للشرطة وقيام الأهالي بضبط الأمن عن طريق لجان شعبية.
على أن أذكر بالمليونيات التي لم تشهد أي خروج على النص أو حوادث أمنية في ظل غياب تام لأى دعم أمني مما يطرح علامات استفهام حول ما حدث بعد ذلك من حوادث عنف في أي تجمع لعشرات من المواطنين والطرف الثالث الذي ظهر بعض شهور من قيام الثورة والذي كان يقتل المتظاهرين السلميين وبدأ دائرة سفك الدماء التي لم تتوقف حتى الآن.
واختصارا علينا أن نتذكر أن جماعة الإخوان المحافظة لم تكن تدعم الثورة في بدايتها وأنها انضمت إليها فقط بعد أن وضحت الرؤية وظهر أن التغيير قادم وكأن الانضمام كان طلبا للأنفال.
أن القوى المحافظة التي تمثل الحكومة والمعارضة المستأنسة قبل الثورة حاز مرشحوها على الأغلبية في الدور الأول للانتخابات الرئاسية حيث حصل الفريق شفيق والسيد عمرو موسى والدكتور مرسي على أكثر من 60% من الأصوات، بينما حصل مرشحو القوى الثورية كلهم على أقل من 40% من الأصوات وهو ما يؤكد أن الشعب المصرى شعب محافظ لم يصوت بقوة للتغيير الشامل حتى في أوج الثورة وأن القوى القديمة بعد عشرات السنين من قتل الديمقراطية الحقيقية وكبت الرأى وفساد الحياة السياسية ساعدت في إخراج أجيال وإن دعت ظاهريا للتغيير فإنها واقعيا تميل إلى بقاء القوى القديمة لأنها تربت على مبدأ الثقة ومن تعرف أفضل ممن لا تعرف!.