رئيس التحرير
عصام كامل

افهم مجتمعك !


لماذا تم القضاء على المجتمع المتعدد الأطياف أو "الكوزمو بوليتان"- Cosmopolitan-؟
يقولون إن التاريخ هو الشيخ الكهل وبنات أفكاره هي صفحاته التي تسطر وتدون بل تؤرخ تاريخ الممالك والأمم والدول.. يقولون إن ما من أمة بقت وتربعت على عرش العالم إلا وقتما وصلت إلى قمة العالم فتدرجت بعيدا عنها مرة أخرى..


ولكن عندما تصل تلك الأمم إلى قمة العالم وعرشه تبدأ في تشكيل الدول والحدود المجاورة من جديد وتغير خارطة كل الدول الأخرى لشكل يروق ويخدم مصالحها وهو ما حدث منذ بداية القرن الماضى في مصر.

كانت تتمتع المحروسة بمجتمع يخطه المثالية، متعدد الأطياف، الجنسيات، الأعراق والأديان، ولم يكن هناك إلا رغد العيش والثراء المجتمعى، والثراء النفسى بل السواء.. لم يكن هناك أي أثر لأي نوع من أنواع الفتن الطائفية أو حتى بزوخ لفظ أقليات.. فلاسيما عن مُناخ مصر المحروسة المثالى بل أيضًا كان مُناخًا مجتمعيًا صحيًا واقتصادًا قويًا وإن كان نسبيًا..

ومع ظهور أول نجم في تشكيل التجارة بالدين وتشكيل تيار ديني على يد المخابرات الإنجليزية وظهور التطرف بدأ إعادة تشكيل هذا المجتمع كله.. ولكن ليس ليكون مجتمعًا أفضل أو متعدد الثقافات من نوع آخر بل ليكون كل مواطن شبه الآخر.. وهذا ما لم يسطره التاريخ لنا..

كان شعب مصر يعرف بالاحتشام في الملبس والمظهر وبتقاليد خاصة بهذا المجتمع سواء في الحضر أو المدن ولكن بعد إعادة تشكيل المجتمع ظهر هذا التوحيد ليس في التوحيد بالله كما ادعوا، ولكن التوحيد لشكل المواطن ذكرا كان أم أنثى... التوحيد في الملبس، التوحيد في طريقة الكلام، التوحيد في التحية..

ولكن هذه لم تكن طفرة دينية.. فالشعب لم يكن ملحدا ولم يكن في ميدان التحرير اللات والعزى!

وبدأت حلقة مفرغة من التحريم والتعصب والتشدد والإباحية فكلما زادت الإباحية في المجتمع زاد التطرف وكلما زاد التطرف زادت الإباحية.. وكأن الاثنان يرويان ظمأ كل منهما.

ولكنها كانت طفرة سياسية شكلتها بريطانيا العظمى وقتها لتغير شكل المجتمع المصرى إيماءً للمبدأ المذكور سالفا.. كانت طفرة سياسة بغلاف دينى كى يصمت أي فم يقرر الاعتراض وإسكاته بذلك الغلاف الدينى.. كانت طفرة سياسية لمبدأ خفي في السياسة يقول: إنك لا تستطيع السيطرة على شعب مستنير متعدد الأطياف يؤمن بالمواطنة بل يمارسها في تقبل الآخر والتعايش سويًا رغم الاختلاف ولكن تستطيع أن تسيطر على شعب ذي طراز واحد..

فهل يستطيع الراعي أن يسوق قطيعًا من مختلف الفصائل؟ أم أن الأسهل أن يسوق الراعى قطيعًا من فصيل واحد ؟

إذا أردنا أن نعرف إلى أين تنتهي الحكاية فدعونا نستكشف أصل الحكاية...
الجريدة الرسمية