رئيس التحرير
عصام كامل

ماتت لأنها قاتلة!


لأول مرة، بات المصريون ليلتهم، يوم الخامس والعشرين من يناير ٢٠١٧، وهم في فرحة وسعادة، بعد ست سنوات من الخوف والقلق وانعدام السكينة الاجتماعية. فقد حقق المنتخب الوطنى انتصارا على المنتخب الغاني، بهدف قذيفة للفرعون الشاب محمد صلاح. ولأول مرة منذ سنوات تجمعهم الفرحة على هدف واحد فلم يتوزعوا بين الفرق والطوائف السياسية، ولا اختلفوا على عمرو دياب ولا شيرين عبد الوهاب.


والحق أن آخر عهد للمصريين بالشعور بالحياة اليومية الروتينية كان ليلة الخامس والعشرين من شهر الخسران العظيم في عام ٢٠١١. وقد تستدعي الذاكرة باستغراب كامل كيف أن دعوات التحريض والحشد التي انطلقت من صفحات خالد سعيد وشركاه، ومستثمري حادثة وفاته، على تويتر وفيس بوك، لم تقع في نفوس الدولة، ولا في نفوس المصريين موقع الخطر والتحسب والاستعداد.

وأذكر اليوم وفي الذكرى السنوية السادسة لمن يعتبرونه ثورة خطفها الغراب الإخواني، واعتبرها مؤامرة استخدم فيها الفقراء استخداما رخيصا لصالح نخبة متواطئة مع الجهلة الإخوان، أو مع شعارات غربية باتت مفضوحة الأغراض، أقول إننى أذكر عبارة قالها لنا اللواء البطل الراحل عمر سليمان في آخر لقاء برؤساء تحرير الصحف المصرية في قصر الاتحادية، وفي عز المظاهرات المطالبة برحيل الرئيس الأسبق مبارك، وهي أن الدولة كانت تعلم بالمظاهرات والاستعدادات لها، لكن فاجأها أمران، الأعداد الضخمة، وقرار المبيت بالميادين، وبخاصة ميدان التحرير.

وكلنا صار يفهم الآن أن قرار الجماعات الإخوانية والأمريكية، بالمبيت والبقاء، وتجديد الإعداد، كان يستهدف إرهاق وإنهاك وبهدلة قوات الشرطة، وتشتيت قدرتها على التركيز والتفكير الصحيح في التعامل مع الواقع الصاخب المستفز. لقد ظلت القوات واقفة على قدميها أربعة ليال، تحت الشد والجذب والاشتباك والإهانات وقلة النوم، ناهيك عن أن أجواء ملتهبة كهذه يصعب أن تشعر بالحاجة إلى طعام كاف أو ماء يروي. كانت مواجهة مخططة.

واليوم وبعد ست سنين، عاش الناس حياتهم كأنه لم تكن هناك مناسبة دورية للحزن والخوف والقلق والتأهب الأمني وامتلاء الشوارع بالصبية والبسطاء والعملاء والنشطاء والطيبين، واختطاف السيارات، ومهاجمة الأبرياء، وزرع العبوات وسط أغصان الشجر، وفي بطون السيارات، وأمام المساجد ودور العرض السينمائي، لم يأخذ المصريون السنة السادسة للخامس والعشرين مأخذ الجد، بل كان استعدادهم لمباراة المنتخب وغانا في كأس الأمم الأفريقية أعلي وادعي، كما أن احتفاءهم باليوم المنكود، توجه إلى الاحتفاء بيوم الشرطة المصرية وأهالي الشهداء من الأرامل والأيتام والأمهات والآباء المذبوحين المتصبرين على الابتلاء. ما السبب؟
 لعله اعتياد الوضع، أو الشعور بقوة ترتيبات الدولة، أو لعل العزوف راجع إلى شعور عام بالندم على أنهم" اتعمل" بهم ثورة، خرجوا منها بالخراب والعوز!

أيا كانت الأسباب فالمقطوع به، والذي ظهر بسطوع صبيحة وظهيرة ومساء الخامس والعشرين السادس، أن ما كان يسمى بالعيد هو ذكرى سنوية، مكانها الحقيقي صفحات النعي والوفيات.
ماتت لأنها قاتلة! مع الاعتذار لآلاف الشرفاء ممن كانوا وقودها وحطبها، وسُذاجها!
الجريدة الرسمية