رئيس التحرير
عصام كامل

أسمع كلامك أصدقك أشوف تعويمك أستعجب!


في كلمة لـ"طارق عامر" محافظ البنك المركزي، أمام لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، يوم الإثنين، 23 من يناير الجاري، انتقد الحكومة لعدم اتخاذ إجراءات حماية كافية للمواطنين تزامنًا مع تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف، وأكد أن القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة بشأن تحرير سعر الصرف ناجحة، بدليل زيادة تحويلات المصريين بالخارج للبنوك، وزيادة حجم الاحتياطي النقدي، مطالبًا بترجمة هذه الإجراءات والأرقام إلى سياسات يشعر بها المواطن البسيط.


وعندما قرأت هذا الكلام لـ"طارق عامر" خطر في بالي المثل الشعبي "أسمع كلامك أصدقك أشوف تعويمك أستعجب!"، فالسيد طارق عامر، كان هو السبب الأساس في موجة الغلاء الكبيرة، بسبب سياسته النقدية الغريبة التي أدت إلى تقزيم الجنيه والانتقام من الشعب المصري، بجعل معظمه تحت خط الفقر، فطارق عامر الذي اتخذ إجراءات تعويم الجنيه دون أن يدرس هو آثار ذلك التعويم، ويعرف أن التعويم غير المدروس سيؤدي إلى تراجع القوة الشرائية للجنيه، وخفض قيمته بنسبة 50% مما انعكس على الأسعار بالارتفاع الجنوني، مع زيادة أسعار المحروقات، هو نفسه الذي يهاجم الحكومة ويتهمها بأنها لم تتخذ إجراءات حماية كافية للمواطنين لتحميهم من قراره هو!.

والأغرب أن طارق عامر يدافع عن سياسته النقدية الفاشلة، تلك السياسة التي حتى صندوق النقد الدولي – الذي من أجله اتخذ عامر والحكومة قراريهما الأسودين – انتقدها؛ لأنها أدت إلى تراجع الجنيه أمام الدولار تراجعًا غير مسبوق لم يكن الصندوق يظنه، فيذكر عامر أن قراره بتحرير سعر الصرف قرارًا ناجحًا بدليل زيادة تحويلات المصريين بالخارج للبنوك، وزيادة حجم الاحتياطي النقدي..

ونحن نرد عليه قائلين:

يا سيد عامر إذا كانت سياستك هذه ناجحة، فلماذا إلى الآن الجنيه في تدنِِ تام أمام الدولار ؟ ولماذا إلى الآن تلك الموجة العاتية من ارتفاع الأسعار بسبب الدولار؟ ولماذا انتقد صندوق النقد الدولي سياستكم الرشيدة؟ ولماذا لم تنعكس تلك السياسة على جعل محتكري الدولار يخرجونه للبنوك، وما خرج منهم لا تزيد نسبته عن 10 % ؟ ولماذا لم تعلن عن خطوات واضحة تلجأ إليها الدولة بعد قرار التعويم حتى تصل لبر الأمان؟ ولماذا لم يعلن عامر عن خطة بديلة في حالة فشل قراراته اللوذعية؟ ولماذا لم نجد موجة كبيرة من المستثمرين تأتي بعد قرارك؟ ولماذا يستمر سعر الدولار الجمركي مرتفعًا؟.

السيد طارق عامر الذي ينتقد الحكومة بكل شجاعة في مجلس الشعب لإرضاء ممثلي الشعب المصري، قد لا يكون مدركًا أنه نفسه من الحكومة بل إنه هو الذي اتخذ قرار التعويم، بعد أن جعل الحكومة تقتنع أنه لا سبيل للإصلاح الاقتصادي سوى قرض صندوق النقد الدولي، ولا سبيل للحصول على القرض سوى بالتعويم ورفع أسعار الطاقة مما جعله مع الحكومة يصدر هذه القرارات دون حزمة إجراءات تحمي الفقراء، أو بمعنى أدق الشعب المصري من هذه القرارات على الرغم من أن الصندوق نفسه طالب بمثل هذه الإجراءات، ووعده عامر والحكومة بتنفيذها حيث تعهد عامر والحكومة للصندوق بجعل الحماية الاجتماعية حجر زاوية في برنامج الإصلاح الحكومي.

وسيتم استخدام جانب من وفورات الميزانية المتحققة من إجراءات أخرى في الإنفاق على الحماية الاجتماعية، وبالتحديد دعم الغذاء والتحويلات الاجتماعية الموجهة إلى المستحقين، وسيحافظ البرنامج أو يزيد دعمه للتأمين والدواء لمحدودي الدخل، ودعم أسعار الحليب للرضع والدواء للأطفال، وسيتم وضع خطة لتحسين برنامج الوجبات المدرسية، والتأمين الصحي للأطفال والمرأة المعيلة، والتدريب المهني للشباب، وستُعطي أولوية أيضًا للاستثمار في البنية التحتية العامة.

وبالطبع لم ينفذ شيئًا من تلك الإجراءات، مما جعل الصندوق نفسه يتعجب من السياسة النقدية للبنك المركزي، وجعل الناس تعيش في حالة شديدة، يتحملون الصعاب من أجل الوقوف بجانب بلادهم، تنفيذًا لمطلب رئيسهم وزعيمهم السيسي بالتحمل، لكنهم في الوقت ذاته يتعجبون من عدم وجود سياسة نقدية واضحة تحمي الفقير من قرارات السيد عامر ورفاقه، والعجب العجاب من أن يأتي السيد عامر بنفسه ويتنصل من مسؤوليته، ويلقي بما حدث من أضرار على الحكومة، وكأنه زعيمًا للمعارضة بمصر، وكان يعارض قرار التعويم لكن الحكومة "المفترية" أجبرته على ذلك دون أن تضع ضمانات وإجراءات لحماية الشعب!.

يا سيد عامر أظن أنك سبب جوهريًا في ما يعانيه شعب مصر الآن من آلام ومشقة على الحياة، وأنت بالقطع لا تعلم ما يعانيه الفقير، ولا تدرك حجم المأساة التي وضعته فيها، وأنت الذي صرحت من قبل أن ذلك الشعب غني ويدعي الفقر، وبالتالي أي إجراءات تقشفية لن تؤثر فيه، كما ذكرت من قبل أن الشعب سعيد بقرار تحرير سعر الصرف؛ لأن ودائعه بالبنوك- مثل وديعة زوجة عامر- ستجني ثمارًا مالية كبيرة !.
الجريدة الرسمية