فليقتحموا على بركة الله باسم الحُرية!
لو قرأنا هذا الخبر قبل عشر سنوات مثلًا؛ لأصابتنا كُل أمراض السكتة القلبية، والدماغية، وتصلُّب الشرايين، ولكان مصيرنا الإصابة بالشلل، أو العمى، أو الخرس نتيجة الصدمة، لكن الآن- ومُنذ اندلعت ثورة يناير- وحطَّمت كُل الأخلاقيات، وتجاوزت كافة الخطوط الحمراء الواجب توافرها، ولو بالحد الأدنى في أي بلد، فقد صارت مثل هذه الأخبار عادية جدًا ومألوفة للغاية، زى خبر شروق الشمس الصبح، وهزيمة الزمالك بالليل!
الخبر يقول إن طلابًا في الأقصر اقتحموا مُديرية التعليم هناك، وحطموها، وألقوا بالمكاتب خارجها تقريبًا، مش عارف إذا كانوا وصلوا للحمامات، وأخرجوا مَن فيها وما فيها عنوة، وبقروا بطون الحوامل، واعتدوا على كُل الباذنجان الذي تقوم الموظفات بتقويره في وقت العمل، وأفسدوا ألعاب السودوكو والكاندى كراش الخاصة بالموظفين، أم لا، المُهم أن هذا يحدُث في بلدنا للمرَّة التسعين مليون مُنذ أصابنا الانفلات الذي لم نُعالجه حتى الآن!
المُشكلة ليست في الخبر ولا الأحداث، المُشكلة دائمًا تكمُن في التالى، برامج تبدأ النهاردة وتخلص بعد بُكرة، ضيوف يصرخون مُطالبين بالحُرية للطلبة الآثمين اللى ملقيوش حَد يربيهم، مُذيع حُقنة يتحدث مراوغًا عن الظروف والعوامل والدوافع وضرورة عدم القسوة على الطلاب، أولياء أمور تافهون عاوزين الحرق يتداخلون هاتفيا للمُطالبة بعدم إضاعة مُستقبل الأولاد اللى هُما في الأصل مُجرمون، وعندما نُحافظ على مُستقبل المُجرم فإننا نُدمِّر مُستقبل البلد والشرفاء والمتربيين، لكن كُل هذا لا يهم، المُهم الحلقة تبقى سُخنة ملهلبة، والمُهم أن نسير في تيار قطيع يناير الذي أفسد الثورة، وحوَّلها من انتفاضة شريفة قامت بها أغلبية مظلومة ومقهورة، إلى مؤامرة قذرة ومُزايدات أكثر قذارة، لتطفو على سطحها -كالعادة- طحالب عفنة كالجماعة الإرهابية وستة أبريل وأمثالهم من المُنادين بحُرية الفوضى والإجرام!
حرق المجمع العلمى كان تعبيرًا عن الرأى، مين يقدر يقول عكس كده؟ حرق علم مصر في قلب ميدان التحرير أثناء الاحتفالات بعيد النصر في السادس من أكتوبر كان حُرية، حَد يقدر يفتح بؤه؟ استخدام المولوتوف، والاعتداء على العساكر، وحرق الأقسام، وقطع الطرق بالساعات بسبب وفاة قطة أو ذبح بقرة، وسكب الزيت على الطرق والكبارى، وسَد بالوعات الصرف الصحى بالأسمنت، وتوزيع الواقى الذكرى على المُجندين الغلابة بالخداع، واختطاف الضُباط للمساومة عليهم كما قال(أحمد دومة) عن نفسه وعن رفاقه، هي أفعال كيوت وطيبة جدًا، وتلاقى مُجرمون يطالبون بالإفراج عن شيخ المنصر ومَن معه أو مثله، ويتعاطفون معاهم، ويعملون لهم وقفات احتجاجية، ويُضربون عن الطعام وعن استخدام الأسانسير، حتى إذا ما أصاب الواحد منهم شوية تنميل في كعب رجله الشمال يطلع يتعالج برَّة ويقبض المعلوم، ويتعالج من البواسير بالمرَّة!
جعير وصريخ وتدمير لكافة القيم والأخلاق، تمشى في الشارع تلاقى فوضى التكاتك والمرور وانتظار السيارات صف عاشر، باعة جائلين احتلوا البلد والطرق والميادين والمحال التجارية ويمكن المنازل، اعتصام إجرامى دموى حقير، كُل ده الدولة سايباه ليه؟ هذه جريمة، وعندما تتحرَّك الدولة، يُقال إنها ترتكب المجازر، وتقطع أرزاق الغلابة، وتحول بينهم وبين العيش والحُرية، تلك الحُرية القادرة على شَل المحور وكوبرى أكتوبر وطريق الكورنيش، وإعادة المخدرات والدعارة لمُخيمات ميدان التحرير كما قال(ممدوح حمزة) راعى كُل هذا في المُكالمة التي استمعنا إليها جميعًا، والحقيقة ألوم على (حمزة) التعامُل السطحى مع تلك القضية، كان لازم يوفَّر لهم بطاطين كفاية طالما هذا هو عمله!
لن ينصلح حالنا طالما استمر البعض في احتراف التظاهر، واستمر آخرون في محاولات تجميل تلك الصورة الهباب لهم، لدرجة أن بعض نواب مجلس الشعب قرروا التظاهر في الشوارع في تصرُّف أخرق يُعارض كُل معانى الديمقراطية أو احترام قبة البرلمان وتمثيل الشعب، نائب شعب يلجأ للتظاهر بدلًا من التعبير عن رأيه بما يتمتع به من حصانة ونفوذ في البرلمان، يتظاهر ضد الحكومة على الأسفلت علشان يعمل بطل، بدل ما يجرجرها وزير وزير إلى المكان الطبيعى ويبهدلها ويسمع الرَد المُقنع أو الخائب أو المُفحم، كُلها تمثيليات حمضانة، ومُزايدات يظنونها بطولية وهى حمقاء في الواقع، كاميرات وميكروفونات تجرى وراهم، هاشتاجات تُشيد بحمية دَم فلان، وتكشيرة علاَّن، وحنجرة ترتان، داهية تاخدكم!
يقولون إن التظاهر حق للطالب لو معرفش يحل أسئلة الامتحان، وحق للموظف لو اتمسك بياخُد رشوة علشان مُرتبه مش مكفيه، وحق للحرامى علشان الأهرام عملت كالون بسِت تكات بيخلى تطفيش الباب شبه مُستحيل!
لا أكره ثورة يناير في حَد ذاتها، فقد كُنت أحد المُشاركين فيها في البداية، لكن أكره الاستغلال والخروج على القانون والمنطق والأخلاق، أكره استبدال ديكتاتورية الثوار القميئة بديكتاتورية الحُكم الفاسد، أرفض الفوضى والانحطاط من أناسٍ يغذون كُل هذا بالتوازى مع تغذية أرصدتهم ماديًا في بنوك الداخل والخارج، حتى إذا ما غرق البلد كانت جوازات سفرهم هي المنجى للوصول لأى عاصمة بعيدة أو قريبة، ونقعد إحنا نعمل لجان شعبية ونعيش ليالى الرُعب والخوف السوداء على بيوتنا ومُمتلكاتنا وأعراضنا، كما جرى مُنذ ليلة 28 يناير2011 وما تلاها، الثورة كانت جميلة، لكن بعض الثوار- المحترفين والمستفيدين- كانوا.....!