الـ«سوشيال ميديا» ونشر التشاؤم
مصر يحركها "تويتة" و"بوست" هكذا قال إعلامي مصري عن قوة شبكات التواصل الاجتماعي. بسبب هذه القوة تتعرض أهم وسيلة اتصال إلى الانتقاد من الدولة، بل الرئيس بنفسه الذي انتقدها بشكل مباشر. وهناك من أصبح ينتظر رد فعل "السوشيال ميديا" على كل حدث. هل هناك طلاق دائم بين السوشيال ميديا؟ لماذا تتعرض السوشيال ميديا للهجوم الدائم وبخاصة في مصر؟
الدراسة التي نشرها معهد "بيو" الأمريكي للأبحاث في أكتوبر الفائت تقول إن 59% من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي يشعرون بالتوتر والاضطراب، وأن 35% فقط يرونها "شيقة وتزودهم بالمعلومات". مضمون شبكات التواصل الاجتماعي لا يتوافق مع الاتجاهات السياسية لـ 59% من الأمريكيين. فقط 29% من الأمريكيين يرون أن ما يقرأونه على شبكات التواصل الاجتماعي يتوافق مع اتجاهاتهم السياسية. الدراسة التي نشرها معهد "بيو" الأمريكي للأبحاث أكدت أيضًا أن تقريبا نصف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من الأمريكيين يقيمون الحوار السياسي على شبكات التواصل الاجتماعي على أنه "أكثر غضبا"، وأقل احتراما، وأقل تحضرًا من الحوارات والمناقشات عن موضوعات أخرى غير السياسة.
الانتقادات التي تنال من شبكات التواصل الاجتماعي لا يعني أنه شر مستطير، فلشبكات التواصل الاجتماعي حسنات كثيرة، منها حسنات سياسية. فشبكات التواصل الاجتماعي تساعد على انتشار الإعلان السياسي، وانتشار الحملات السياسية الإعلامية، كما أنها وسيلة فعالة للتعرف على اتجاهات الرأي العام. كما أن هناك العديد من الشخصيات السياسية التي ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في نجاحها أو تصحيح صور خاطئة عنها.
لكن لماذا تتعرض شبكات التواصل الاجتماعي للهجوم المستمروبخاصة في مصر؟ تقييمي للدور الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي في مصر من الناحية الأكاديمية يمكن أن يكشف عن سبب الهجوم المستمر على شبكات التواصل الاجتماعي. شبكات التواصل الاجتماعي في مصر اكتسبت زخما يزداد ويمنحها القوة في ظل إحساس المواطن بأن الإعلام المصري – الخاص قبل العام – افتقد للمصداقية. فالدعوة الدائمة للحاجة للاصطفاف الوطني تنطوى على دعوة مبطنة للاصطفاف السياسي، لكن في ظل غياب السياسة وضعف أو إضعاف الأحزاب، وجد مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي أنهم من يصنعون الخبر.
من الناحية السياسة فإن مؤسسات الدولة والنظام الحاكم يرغبان في تفاعل مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي مع الأحداث في مصر بشكل إيجابي، وأن ينشر مستخدموها التفاؤل، لكن كيف ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي يرون الأوضاع الاقتصادية تسير من سيئ لأسوأ، والسياسة أصبحت في الثلاجة في وجود رغبة لخلق "اتحاد اشتراكي" أقصد صوت واحد في مجلس الشعب.
غاب التوازن عن الإعلام المصري بل وغابت الشافية عنه في أحيان كثيرة، فحضرت السوشيال ميديا بشكل فعال. فعندما تغيب السياسة عن الأحزاب ويختفي النقاش السياسي الفعال، ويصبح دور الأحزاب مجرد ديكور لتكملة صورة سياسية– إن وجدت– يحدد مستخدمو السوشيال ميديا نوعية الخطاب السياسي، ويتعاظم دور السوشيال ميديا. لن يتمكن من يملك إيقاف محلل سياسي عن الظهور، أو إيقاف برنامج سياسي لإعلامي، أو إغلاق منظمة للمجتمع المدني، من إيقاف الاتجاهات التي تحددها السوشيال ميديا.
العامل الآخر الذي يضيف فاعلية لفاعلية السوشيال ميديا هو أن مستخدميها لا يصنعون الخبر في كثير من الأحيان. وللأمانة الأكاديمية يجب القول للقارئ إنهم "يخدعونك بقولهم إن السوشيال ميديا تصنع واقعا غير موجود". فمستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي لم يصنفوا "أبوتريكة" كإرهابي، ولم يتسببوا في تعويم الجنيه. مستخدمو السوشيال ميديا يعلقون على الأخبار والوقائع ولا يصنعونها.
وحتى إن سلمنا على وجود مساحات رمادية يخلقها مستخدمو السوشيال ميديا بنشر أخبار متحيزة أو حتى غير صحيحة، فإن غياب المصداقية عن الإعلام ولهجة التبرير، والتسكين، والتخدير المطلوبة هي من تجعل مستخدمي السوشيال ميديا يتناولون الأخبار بشكل متحيز أو يقومون بنشر أخبار غير صحيحة أو غير موثوقة بما يدعم أفكارهم السياسية.
القانون يجرّم نشر الأخبار غير الصحيحة أو الكاذبة، وبالتالي يمكن إيقاف العابثين من مستخدمي السوشيال ميديا، لكن القانون لا يتضمن تشريعا يجرّم التشاؤم وبخاصة إذا كان المناخ السياسي والاقتصادي يبعث على التشاؤم، ورئيس مجلس الشعب قالها بالثلاثة: الوضع الاقتصادي "حرج، حرج، حرج"، أما الوضع السياسي فأنتم أدرى به مني، ودمتم.