رئيس التحرير
عصام كامل

جيل ما اترباش


تلك كانت هي العبارة التي سمعتها منذ أيام أثناء ركوبي المترو، فقد حدث موقفان أثارا استياء وانتباه كل الجالسين في العربة، بدأ الموقف الأول بتحلق مجموعة شبابية من الأولاد طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية حول أحد زملائهم، منهم من يحاول الاعتداء عليه، ومنهم من يحاول تخليصه منهم، وأثناء ذلك تعالى الصياح داخل العربة، وحدثت حالة من الهرج والمرج، فالمتشاكسون شباب صغير أهوج، والضحية شاب ضعيف وبعض رفاقه حاول الاستظراف مع صديقة هؤلاء المجانين الذين تكالبوا عليه، وكادوا يفتكون به لولا العقلاء منهم، كل هذا والدهشة تسيطر على الجالسين في العربة.


فبينهم سيدات وعجائز وآنسات ورجال خشوا فض الاشتباك حتى لا يتسبب ذلك فيما لا تحمد عقباه، من أن ينال أحدهم لكمة لا يعرف مصدرها، أو تطاله يد غادرة لا يعرف لمن تكون، خاصة أن الحشد كبير، ومنهم من سكت تجاهلا وترفعا عن الدخول في مهاترات ومشاكسات مع شباب صغير ما عاد يحترم كبيرا ولا يوقره بل إن أدنى ما قد يفعله هو أن يلمزك بكلمة "وأنت مالك"! أو يصيح في وجهك غاضبا "اقعد مكانك يا عم الحج" أو خوفا من ضياع مقعده في العربة وجلوس آخرين عليه، وظلوا جميعا ينتظرون حتى ينجلي الموقف!

فجأة جاءت شابة يبدو أنها صديقة أحد هؤلاء الشباب تجر وراءها حشدا من الصديقات، وللأمانة بعضهن فاتنات، وعندما تحدثت مع صديقها يبدو أنه أسر إليها بشيء جعلها تتلوي من الضحك، وتقوم وتقعد داخل عربة القطار كل هذا والرجال والنساء يتغامزون ويتلاومون ومنهم من يضرب كفا بكف متأففا مما يحدث، بينما انسحبت زميلاتها بعد أن ترك الجميع الشباب والتفتت أنظارهم إلى هؤلاء الشابات وحولهن، وهنا علا الذهول الموقف، وتساءل الجميع عن سر هذه الكلمة التي تفعل كل هذا ولم يستطع أحد التحدث..

انطلق المترو وبدأ الشباب والشابات ينزلون كل في محطته، وبدأ الحديث بين الركاب عن هذا الأمر فمن قائل: "عيال ما اتربتش" ومن قائل" دول عيال عديمي التربية ويمكن ما لهمش أهل" ومن قائل: "دول عالم سايبين لا أب يحكم ولا أم تربي فهؤلاء لو وجدوا التربية لما فعلوا مثل هذه الأفعال" ومن قائل: "ربك يهدي.. بكرة يعقلوا وكلنا كنا كده وإحنا صغيرين واللي ما ربهوش أبوه وأمه يربيه الزمان"!

وبينما انشغل الجميع في الحديث عن هذين الموقفين جلست أتساءل: هل هؤلاء الشباب (أولاد وفتيات) غرباء عنا؟ هل جاءوا من كواكب أخرى ؟ هل كلهم لم يجدوا التربية في منازلهم: هل وصل بنا الحال إلى تلك الصورة الغاضبة؟ ألسنا جميعا آباء ومسئولين عن هؤلاء كلا بحسب طريقته وإذا كان آباء وأمهات هؤلاء مشغولين فأين عوائل هؤلاء؟ أين دور المدارس والجوامع والكنائس في التربية والنصح والتوجيه؟ وإذا كان هؤلاء لم يجدوا من يوجه سلوكهم وبحتصنهم وبنصحهم، فماذا ستفعل الأجيال القادمة؟
الجريدة الرسمية