رئيس التحرير
عصام كامل

الأسرار الكامنة وراء تيران وصنافير !


قضية تيران وصنافير واحدة من القضايا بالغة الأهمية التي شغلت الرأى العام المصرى بل العربي والعالمي على مدى الشهور الماضية، عندما أعلنت الحكومة المصرية عن اتفاقية لترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية، قررت بعدها أن الجزيرتين سعوديتان وأن المملكة تطالب بضمهما إلى أراضيها، وهو ما أثار جدلا كبيرا داخل المجتمع المصرى، حيث انقسم المصريون بين مؤيد للاتفاقية وموقف الحكومة التي ترى أن الجزيرتين سعوديتان وبين معارض للاتفاقية ولرأى الحكومة ويرى أن الجزيرتين مصريتان منذ فجر التاريخ، وبدأ كل فريق يقدم أدلة وبراهين على صحة موقفه.


وبالفعل ذهب فريق مصرية الجزيرتين إلى القضاء المصرى بوثائقه ومستنداته التي تؤكد مصرية الجزيرتين، وفى المقابل تقدمت الحكومة بما يفيد سعودية الجزيرتين من وجهة نظرها، وتداولت القضية داخل قاعات المحاكم وصدر حكم ابتدائي بمصرية الجزيرتين، ولم تستسلم الحكومة وقامت بالطعن على الحكم، ومع استمرار تداول القضية كانت وسائل الإعلام التابعة للحكومة ورجال أعمالها تجيش نفسها ضد المعارضين بل تشيطنهم، ولم يجد الفريق المعارض غير مواقع التواصل الاجتماعي للرد على الحكومة وإعلامها، وجاءت المرحلة الأخيرة من التقاضي لتفصل في الأمر وبشكل حاسم أن الجزيرتين مصريتان، ورغم ذلك مازالت وسائل الإعلام مستمرة في حربها غير المبررة على المعارضين لسعودية الجزيرتين، ومازالت اتهامات التخوين والعمالة مستمرة بين الطرفين، وهو ما لا يجب أن يستمر لأنه يشق الصف الوطنى ويزيد من الشروخ في جدار الوطن، فعلى الجميع أن يحترم أحكام القضاء المصرى الشامخ سواء الحكومة وتابعيها أو المعارضة ومؤيديها.

ولابد أن يعلم الجميع أن تيران وصنافير جزء من الأمن القومى المصرى والعربي وليست مجرد جزيرتين غير مأهولتين بالسكان كما تروج الحكومة وتابعوها وإعلامها، ولمن لا يعرف تلك الأهمية يمكنه الرجوع لخطاب الزعيم جمال عبد الناصر قبل نكسة 1967 الذي أوضح فيه أن أحد أهم أسباب العدوان الثلاثى على مصر في 1956 وكذلك الحرب في 1967 هو مضيق تيران.

ولمزيد من التوضيح لابد أن يعرف المصريين والعرب أن هاتين الجزيرتين تقعان في البحر الأحمر في مدخل خليج العقبة وهو الخليج المجاور لخليج السويس، وتقع جزيرة تيران على اليسار وصنافير على اليمين في مدخل الخليج وهناك ممران للسفن القادمة من البحر الأحمر لدخول خليج العقبة الأول متسعًا للسفن الكبيرة يمر بجوار جزيرة تيران، والثانى بجوار صنافير لكنه لا يسمح بمرور السفن لأنه منطقة ضيقة وضحلة، ووفقا لذلك فإن السفن الراغبة دخول خليج العقبة للوصول إلى الأردن أو إلى فلسطين المحتلة لابد أن يأخذ الإذن بالعبور من السلطات المصرية حتى يسمح لهم بالعبور.

وسيطرة مصر على الجزيرتين يعنى أن الممر لخليج العقبة ممر مصري؛ لأنه داخل المياه الإقليمية المصرية، وهو ما يعطى لمصر أهمية كبيرة ويعطى أهمية عظمى لقناة السويس؛ لأن السفن الدولية العابرة للبحر الأحمر تجد نفسها تتجه صوب خليج السويس وليس خليج العقبة لأنه الخليج المتسع والذي ينتهى بقناة توصله إلى البحر المتوسط مباشرة وهى قناة السويس.

أما إذا أصبحت الجزيرتان سعوديتين فهذا يحول ممر خليج العقبة إلى ممر دولى وبذلك يمكن لإسرائيل أن تطلب من السفن العابرة للبحر الأحمر أن تعبر لخليج العقبة بدلا من خليج السويس بعد أن تكون قد حفرت قناة موازية لقناة السويس تمتد من ميناء إيلات ( أم الرشراش ) المصري المحتل إلى البحر الأبيض المتوسط، وبذلك تكون إسرائيل قد ضربت مصر في مقتل وتتراجع الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس المصرية.

إذن المسألة أكبر من جزيرتين غير مأهولتين بالسكان وعبارة عن محميات طبيعية لن تستفيد منهما مصر أو السعودية، المسألة تتعلق بالأمن القومى المصري والعربي في مواجهة الكيان الصهيوني، ومن يرغب في الحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربي عليه أن يتمسك بمصرية الجزيرتين حتى ولو افتراضنا جدلا أنهما سعوديتان فلا يمكن لمصر أن تسلمهما للمملكة لأن هذا التسليم يضرب الأمن القومى المصرى والعربي في مقتل، وعلى من يدرك حقيقة الصراع العربي– الإسرائيلى، ويدرك أهمية الأمن القومى المصرى والعربي أن يؤكد بقاء الجزيرتين في حوزة مصر وجيشها البطل الذي يمكنه أن يصد أي اعتداء على الأرض المصرية والعربية، فهو الضمانة الوحيدة الباقية لمواجهة العدو الصهيوني في أي وقت.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية