الدولار الجمركي والأسعار
جاء قرار الحكومة مؤخرا بتثبيت سعر الدولار الجمركي، عند 18.5 جنيهًا بمثابة شعاع النور في عتمة القرارات الظلامية غير المدروسة، وجاء كذلك متأخرا وكان ينبغي اتخاذه مع تحرير سعر صرف الجنيه، والدولار الجمركي هو قيمة الدولار أمام الجنيه، والذي تتم المحاسبة عليه في الدوائر الجمركية للبضائع المستوردة..
أي هو القيمة أو الرسوم الجمركية التي يتم احتسابها على أي بضائع أو سلع تأتي من الخارج، وتكون المعادلة عبارة عن سعر المنتج بفاتورة الشراء في سعر الدولار الجمركي، والناتج يكون سعر المنتج بالجنيه المصري، ثم تحتسب التعريفة الجمركية، فعلى سبيل المثال منتج سعره 100 دولار أمريكي، بفرض نسبة التعريفة الجمركية 50% وسعر الدولار 18.5 جنيها، فيكون سعر المنتج داخل الدائرة الجمركية 1850 جنيها مصريا، ثم تكون الضريبة 925 جنيها تضاف لسعر المنتج ليصبح سعره أخيرا في الدائرة الجمركية 2775 جنيها، هذا غير تكاليف النقل والشحن والتخزين... إلخ.
كل هذا يتحمله المواطن الفقير، وبعد تحرير سعر الصرف أصبح هناك سعر مختلف يوميا، مما أدى إلى تعثرات جمركية، وعدم استقرار السوق، وعدم الدقة لدى المستورد في تحديد تكاليف سلعته، وكل ذلك أدى إلى حالة انفلات الأسعار المشاهدة والمعاشة في الوقت الراهن.
فالمستورد يستورد سلعته بسعر الدولار الموجود بالبنك، وفرضا كان 18 جنيها، ثم عندما يحضرها يبدأ معاملته جمركيا بسعر الدولار يوم إحضار بضاعته وليكن ذلك السعر 20 جنيها، فتزداد تكلفة السلعة وبالتالي يطرحها بسعرها في يوم جلبها وجمركتها بالدولار، ثم في يوم تال يختلف سعر الدولار الجمركي فيطرح السلعة نفسها بسعر مغاير عن سعرها السابق، ومع انفلات أسعار الدولار نجد أنه في اليوم الواحد يوجد أكثر من سعر للدولار داخل البنوك، وزيادات أكثر من المألوف، فالمستورد يدفع في الصباح جمارك سلعته بسعر ويفاجأ بسعر آخر للدولار في المساء؛ مما يعطي عدم انضباط في الدولار الجمركي، ويؤثر على سعر السلع المستوردة..
وبالتالي يجد الموزع نفسه يغير في الأسعار بصفة يومية، وفي الغالب رفعا لها؛ مما يجعل التاجر يجد أن السعر يوميا متغيرا، فيزيد هو كذلك من نفسه نسبة في ذلك التغير وهكذا يزداد سعر السلع يوميا، لكن تثبيت سعر الدولار الجمركي يجعل المستورد يثبت تكلفة سلعته، ويطرحها في الزمن الذي تم تثبيت الدولار الجمركي فيه بسعر ثابت؛ مما يؤثر على الأسواق بتثبيت سعر السلعة حتى وإن كان مرتفعا، لكن ذلك أفضل من ارتفاعها يوميا، وذلك حتى تستطيع الحكومة أن تنافس المستورد بالتصنيع المحلي وزيادة حجم المنتجات المحلية؛ مما يعود في النهاية على السلعة بالخفض.
وحتى يؤتي ذلك التثبيت ثماره يجب أن يكون تثبيتا طويل الأمد لا يقل – من وجهة نظري– عن سنة وليس شهرا كما جاء بقرار الحكومة، وذلك أن الدورة الاستيرادية لأي سلعة لا تقل عن 3 أشهر، وحتى ينعكس على السوق بالاستقرار، خاصةً أن هناك حالة ارتباك وتذبذب تسيطر على أسعار السلع في الفترة الأخيرة، بسبب زيادة سعر الدولار، وعدم استقراره، ما انعكس على الأسعار بالزيادة، كما أن سعر التثبيت الحالي وهو 18.5 جنيهًا سعر مرتفع جدا لن يؤثر في أسعار السلع المرتفعة، لكنه يثبتها عند ارتفاعها..
رغم أن هذا الارتفاع ليس في قيمة السلع أو في سعرها في بلد المنشأ، لكنه ارتفاع ناتج عن السياسة النقدية في مصر والتي ينبغي أن تتغير إلى مراعاة كيفية خفض الأسعار بطرق علمية، منها خفض سعر الدولار الجمركي.
عام 2002 تم تحريك الأسعار لكن تم معه تثبيت سعر الدولار الجمركي بسعر عادل وليس مرتفعا كما هو حادث الآن. ويجب في سبيل الوصول إلى أسعار عادلة أن يتدخل البنك المركزي بصورة أو بأخرى لخفض سعر الدولار وتدارك حجم الخطأ الذي وقع فيه بتحرير سعر الصرف دون ضمانات كبيرة تؤكد كيفية التحكم في الأسواق، فقد مر وقت كاف على تحرير سعر الصرف ولم نجد النتيجة التي سعى إليها البنك المركزي، فلم يخرج مكتنزو الدولار عملتهم للبنوك بالصورة المرضية، أو ازداد حجم الاستثمار في مصر بالصورة الطموحة، ولم تفلح الإجراءات الاقتصادية في ضبط الأسواق والتحكم في الدولار حتى أن صندوق النقد الدولي نفسه تعجب من الانخفاض الحاد للجنيه أمام الدولار..
ولم يكن يدرك أن الانخفاض سيكون حادا بهذه الطريقة؛ مما أثر على الحياة الاجتماعية والمعيشية للشعب المصري الذي يعاني الأمرين، وما فعله المركزي بعد تحرير سعر الصرف أنه نقل السوق السوداء للدولار من خارج البنوك إلى داخلها فقط.