سقط سهوا.. عبدالوهاب المسيري حالم لم ير ثورته «بروفايل»
«أنا يساري على سنة الله ورسوله»، الكلمات لا تشير إلا إلى شخص واحد، هي حروف تحمل نبرة صوته الهادئة التي لا تخلو من «قفشة» يطلقها هنا أو هناك، التضاد الظاهري لم يكن إلا نتيجة تجربة خاضها بداية من الانتماء لجماعة الإخوان ووصولًا للشيوعية، الحكمة وراء تلك الكلمات هي خلاصة تجربة الحياتية التي استمرت لـ70 عامًا.
عبدالوهاب المسيري أحد الذين زرعوا بذور الثورة ولم يجنوا ثمارها، طالبوا بها ولم يروها، تخيلوا مشاهدها كما حدثت تمامًا لكن الجموع بالنسبة لهم كانت مبهمة، لا يعرفون الأسماء التي ستقود، الشهداء الذين سيسقطوا، طريقة خلع «مبارك» حسبه فقط وهو يشارك في تأسيس «كفاية» أنه كان على يقين بأن شيئًا ما سيحدث قريبًا، الهواء يحمل رياح الثورة من بعيد، الكثير لا يدركون هذا لكنه يدرك ويؤمن ويشعر ويفكر ويحلل ويقلق من الطريق بعد «مبارك».
علاقة «فيلسوف المعارضة» بالثورة لم تكن وليدة اللحظة، فالرجل الذي ولد في عام 1938 وسبح في بحور المعارضة السياسية إخوانيًا حينًا، وشيوعيًا حين آخر كان يبشر بها دائمًا، يرى أنها النجاة في تحرير الوطن الكبير، ومؤمن بأن الثورة طريق زوال إسرائيل باعتباره أستاذًا للإسرائيليات ومهاجما شرسا للكيان الصهيوني.
«إن الإيمان لم يولد داخلي إلا من خلال رحلة طويلة وعميقة، إنه إيمان يستند إلى رحلة عقلية طويلة، لذا فإنه إيمان عقلي لم تدخل فيه عناصر روحية، فهو يستند إلى عجز المقولات المادية عن تفسير الإنسان وإلى ضرورة اللجوء إلى مقولات فلسفية أكثر تركيبة»، بتلك النظرة تولى «المسيري» منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية»، وهي الحركة الأجرأ في آخر سنوات «مبارك» فلم ترفع سوى مطلب واحد «رحيل الرئيس».
جميع من اشتركوا في تلك الحركة حملوا أرواحهم على الأكفان، لم يكن من السهل أن تقول لا للرئيس، الاعتقالات حاضرة، التكميم جاهز والتهديد أسهل ما يمكن فعله، المسيري الذي بلغ من العمر 69 عامًا وقتها لم يخش كل ذلك، فهو الرجل الذي تعرض للاعتقال أكثر من مرة ولم يثنيه ذات عن موقفه، بل إنه حول كل أزمة كان يخرج بدرس جديد، وعبرة يكتب سطورها في مؤلفاته التي عكف عليها طوال حياته.
لم يكن يصدق أن «كفاية» ستتحول إلى فعل، وتتشكل في ثورة بعد رحيله بثلاثة أعوام فقط، سقط سهوًا من ذاكرة الثوار لكن بقى في تاريخ الثورة.