عمار علي حسن: السيسي يرى أن ثورة يناير تأخرت على مبارك 16 سنة
- >> 25 يناير كشفت عورات تجار الدين
- >> الشعب المصري وحده صاحب قرار الثورة
- >> الغرب يستغل حقوق الإنسان من أجل مصالحه.. ومستقبل العرب تحدده الشعوب
وأوضح عمار أن 25 يناير يكفيها فخرًا أنها أسهمت في كشف حقيقة الإخوان، وزيادة الثقة في نفوس المصريين، وتعزيز المشاركة السياسية وفضحت المنافقين.. وإلى نص الحوار:
*ما الأهداف التي حققتها ثورة يناير في الذكرى السادسة لها؟
هذا السؤال يحتاج إلى إجابة طويلة، لا بد منها في البداية، لأنها ستفيد في الإجابة عن أي سؤال آخر حول ثورة يناير، ورغم أن الثورة لم تحقق كل أهدافها، فإنها أنجزت الكثير حتى هذه اللحظة، وستمضي في طريقها، بمرور الأيام، بفضل المخلصين والوطنيين من الثوار والنابهين من الناس، حتى تصل إلى ما تصبو إليه، كاملًا غير منقوص.
ويمكنني أن أوجز هذه الإنجازات في عدة نقاط.. أولًا: انكشاف الإخوان، فهم استعملوا الثورة وسيلة لاقتناص السلطة، ليصعدوا إلى خشبة المسرح فيرى الناس عوراتهم، بعد أن كانوا يتعاطفون معهم أيام مبارك، ظانين أنهم ضحايا أو مناضلين أو شهداء أو أصحاب حلم ووعد وأمل ويمتلكون حلًا للمشكلات التي يعاني منها الشعب.. ولو لم تقم الثورة لظل الإخوان يتمددون في صمت ومكر حتى يمسكوا بمزيد من ركائز القوة المادية والبشرية، وحين يحوزون السلطة بعدها يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل إزاحتهم عنها سنيـن طـويلة، سواء بصنـدوق الانتخابات، الذي كانوا سيزورونه بعد أن تعلموا كل دروس الحزب الوطني الفاسد في هذا وزادوا عليها الكثير، أو من خلال احتجاج، كان أنصارهم الكثير وقتها سيتصدون له بقسوة.
ثانيًا: تهافت المسار السلفي فقبل الثورة كان بعض الشيوخ المحسوبين على هذا المسار لهم في نفوس الناس هيبة ومكانة، فكلامهم مصدق، ووعظهم مستساغ، وطلبهم مستجاب، وكان هؤلاء يقومون حثيثا بتغيير طبيعة التدين المصري الوسطى، ويغتالون في بطء المؤسسات الدينية التي بناها المصريون في قرون طويلة، وعلى رأسها الأزهر، ويغيرون وعي الناس حيال الكثير من أمور الحياة، ولو لم تقم الثورة لظل هؤلاء يتمددون بلا توقف، حتى يصبح أتباعهم بعشرات الملايين، ووقتها سيصلون إلى السلطة، بتحالف مع الإخوان أو من دونهم، ولن يستطيع أحد إزاحتهم للأسباب السابقة ذاتها، وحتى لو لم يطلبوا الحكم أو يسعوا إليه، فإنهم سيحرثون الأرض أمام إخواني أو متطرف ليقتنص العرش، وإن لم يفعلوا ذلك، فعلى الأقل سيغيرون الكثير من قيم المصريين واتجاهاتهم ومعارفهم، وهذا يشكل خطرًا داهمًا على المجتمع، وعلى طبقاته الحضارية والثقافية التي تراكمت عبر آلاف السنين.
وثالثًا: حققت الثورة ما نسميه "الاقتدار السياسي" الذي يعني ثقة الناس في أنفسهم، وهو شرط أساسي لأي حكم رشيد أو ديمقراطي، فالمصريون كسروا حاجز الخوف وأسقطوا الصمت، وصارت لهم هيبة في نفوس أهل الحكم، ولم يعد بوسع من يجلس على الكرسي الكبير أن يسخر منهم أو يستهتر بهم، ما يشكل ضغطًا متواصلًا عليه كي يعدل أو يستجيب لما يريده الناس.. وإن لم يفعل كان بوسعهم أن يخرجوا ويسقطوه مثلما جرى في ثورة يونيو العظيمة.. وقد غيرت الثورة حتى بعض من كانوا ينتمون إلى الحزب الحاكم قبلها، ممن تعلموا الدرس، بعد أن كانوا يعتقدون أن سبيل التغيير الوحيد هو الانخراط في صفوف السلطة، أو نفاقها، ليتقدموا خطوات نحو المواقع السياسية أو المنافع المالية، وكانوا يتصورون أن الشعب عاجز عن الفعل، وأن الرافضين للحكم مجموعة من المجانين الذين يطلبون المستحيل.. كما غيرت من نفوس الملايين الذين كانوا مستسلمين لكل ما يجري، وهم ما سميناهم "حزب الكنبة" الذين رأيناهم في الشوارع بعشرات الملايين يسحبون الإخوان من على العرش.
ورابعًا: تعززت المشاركة السياسية بعد الثورة، حيث كان الإحجام عنها آفة مصرية، ومرضًا عضالًا، مما مكن السلطات المتعاقبة من تزوير إرادة الناس، والانفراد بالقرار، وتوظيف إمكانيات الدولة الرمزية والمادية ضد مصالحهم.. فبعد الثورة بدأنا نعرف ظاهرة طوابير الانتخابات الطويلة، وبات المواطن مدركًا أن صوته يمكن أن يغير التاريخ، أما قبل الثورة فكان الشعار السائد: "ستفعل الحكومة ما تريد رضينا أن أبينا".. وقبل الثورة كان أقصى أماني المعارضة أن تتم تنقية الجداول الانتخابية، أو يسمح بالتصويت بالرقم القومي، وهو ما تم بعد الثورة، علاوة على ضمانات عديدة للنزاهة، عبر إشراف القضاء، ووجود لجنة عليا مستقلة لإدارة الانتخابات، ونقل عملية التصويت على الهواء مباشرة في وسائل إعلامية عديدة.
*ما الأهداف التي أخفقت الثورة في تحقيقها حتى الآن؟
أخفقت الثورة في أن تصل إلى الحكم لتحقق أهدافها كاملة، وبالتالي بدأت الثورة المضادة رحلة التشويه، التي عملت على تفريغ يناير من مضمونها، ونزع أي قيمة أخلاقية أو وطنية عنها، كما رأينا في برامج تليفزيونية وتسريبات كلها خصصت لهذا الهدف الجهنمي.
*ما رأيك في اعترافات الغرب بأن ثورة يناير وثورات الربيع العربي كانت صناعة غربية وأنهم نادمين عليها؟
الغرب فوجئ بقيام الثورات، والطريقة التي تصرفت بها الولايات المتحدة مع الثورة التونسية والمصرية في أيامها الأولى، يبين أن واشنطن كانت مرتبكة وليست لديها خطة، بدليل ما جاء في مذكرات هيلاري كلينتون ،وما قاله الدكتور سعد الدين إبراهيم من أن أوباما استدعاه لاجتماع عاجل في البيت الأبيض، وكان وقتها في زيارة للولايات المتحدة، ليسأله: من هؤلاء الذين يملأون ميدان التحرير؟ واشنطن لم تكن تعرف، ولذا سارعت للعمل مع الجيشين التونسي والمصري في سبيل ضمان نظام حكم موالٍ لواشنطن مثل زين العابدين بن علي وحسني مبارك، ومن العار والعيب والخطأ والزلل أن نقول إن الغرب تمكن من إخراج ملايين المصريين من بيوتهم.. ولو كان الأمر كذلك فلم ولم يكررها الغرب مع الإخوان بعد إسقاطهم عن الحكم، حين حاولوا مرات ومرات أن يحشدوا الناس.. ثورة يناير بطلها وصاحبها ومخرجها الشعب المصري، وقد تأخرت كثيرًا، حسب قول الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، الذي قال في جلساته مع السياسيين وهو مدير للمخابرات الحربية: تأخرت الثورة على مبارك طويلًا، وكان يجب أن تقوم سنة 1995.
*ما مدى صدق الغرب في دعم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية في مصر ومنطقة الشرق الأوسط؟
الإدارات الغربية ليست صادقة في هذا، بل تستغل هذه الملفات والقضايا في خدمة مصالحها، لكن هناك مؤسسات وجمعيات أهلية ومفكرين وكتاب وسياسيين مستقلين في الغرب يعملون بجدية في سبيل هذه الغاية من منطلقات إنسانية.
*ما الأخطاء التي ارتكبها ثوار يناير بعد الثورة؟
أكبر خطأ هو عدم وجود إستراتيجية للثورة، وعدم الاتفاق على قيادة موحدة لها، ثم استقطاب الطليعة الثورية في صراعات مفتوحة، وعدم فهمها أن الأساس هو القاعدة الشعبية بطل الثورة وصاحبها وأن كسبها إلى صف الطليعة الثورية واجب في كل وقت.
*ماذا يجب على ثوار يناير القيام به في الوقت الحالي لتحقيق باقي أهداف الثورة؟
أهم ما يجب فعله الآن هو طرد اليأس من النفوس، وإدراك أن الثورة وإن كانت قد تعثرت فإن روحها لم تمت بعد، لأن طلب الناس تغيير الأحوال والأوضاع إلى الأفضل لن يتوقف، كما يجب على الثوار فهم آليات التشويه التي قامت بها القوى المضادة للثورة، ثم تلافي كل الأخطاء مستقبلًا.
*ما مستقبل ثورات الربيع العربي في المنطقة في ظل تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة؟ وتأثير الرئيس الأمريكي الجديد في أزمات الشرق الأوسط؟
مستقبل العرب تحدده الشعوب العربية بالدرجة الأولى، بغض النظر عمن يحكم في البيت الأبيض أو غيره من بيوت الحكم الغربية، وأي سلطة تلتحم بشعبها عبر تحقيق العدل والحرية والرضا والكفاية، لن تستطيع أي قوة خارجية أن تنال منها، وهذا ما يجب علينا فهمه بعد كل ما جرى في السنوات الأخيرة، أما من يستبد ويظلم فهو الذي يصنع فرصًا للتدخل الخارجي في بلاده.
*ما رأيك في التسريبات الأخيرة لعدد ممن اعتبرهم المصريون رموز ثورة يناير؟ وهل تمثل خطرًا على الأمن القومي وتنتهك الخصوصية؟
شيء يدعو للرثاء، ففضلًا عن انتهاك هذه التسريبات للدستور، فإنها لم تعد تنطلي على أحد، لأن المسربين فقدوا المصداقية عند الناس، كما أن لهذه التسريبات ارتدادات سيئة على السلطة السياسية، فهى تظهرها بمظهر المتلاعب بالدستور، والخائض في خصوصيات الناس، والطرف الذي ليس لديه أدنى قدر من الأخلاق في التعامل مع خصومه، وذلك لأن الشعب يفهم ويعرف المصدر الذي أمد وسائل الإعلام بهذه التسريبات، وهناك أيضًا تأثيرات سلبية في مناخ الاستثمار وفي صورة النظام الحالي.
*يعاني المجتمع المصري منذ عامين من أزمة ما يمكن اعتباره صراعًا بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو.. فهل ثمة صراع بالفعل؟ وهل هناك اختلاف في أهداف الثورتين؟
طليعة يناير المدنية هى التي بدأت الطريق إلى يونيو، ولولا شجاعتها وإقدامها ما كان يمكن لأي أحد كان أن يكون قادرًا على التدخل لإسقاط حكم الإخوان، لكن الخلاف بدأ حين أدرك ثوار يناير أن سلطة ما بعد يونيو تبتعد كل يوم عن مطالب الثورة، ورغبة الناس في التغيير إلى الأفضل، بل إنها تريد أن تعيد الأوضاع ليس إلى ما قبل يناير مباشرة بل إلى الستينيات دون مشروع ولا انحياز للفقراء.
*لو عاد بك الزمن إلى 24 يناير 2011 فما النصيحة التي توجهها للثوار حتى يتلافوا الأزمات التي تواجهها مصر الآن؟
أن يضبط الثوار إيقاعهم على نبض الناس، وألا يسمحوا لأي خطاب أو ممارسة تفصلهم عن القاعدة الشعبية؛ لأن من تنحاز إليه ينتصر في نهاية المطاف، ومن تتخلى عنه يخسر بالضرورة.