«حكومة قتل الفقراء».. شركات الأدوية تفرض شروطها على وزارة الصحة.. وتتحمل تكلفة مؤتمر إعلان الزيادات الجديدة لإحراج الوزير.. ارتفاع جديد لـ4 آلاف صنف دواء خلال الـ6 أشهر المقبلة
يبدو أن الحكومة المصرية استقرت مؤخرًا على أن تضحى بالمرضى خوفًا من تهديدات شركات الأدوية العاملة في مصر، والتي أبدت تذمرها من ارتفاع سعر الدولار نتيجة تحرير سعر الصرف، فبدلا من أن تخفف وزارة الصحة من آلام المرضى، قررت أن تكون أكثر إيلامًا من المرض نفسه، حتى أصبح لسان حال المريض، ماذا يفعل الدواء في مريض لا يملك ثمنه؟، أو يؤلمه المرض فيضطر للاستدانة لتخفيف بعض هذا الألم المزمن.
حرب ضروس اشتعلت في الأيام الأخيرة بين وزارة الصحة من جانب وشركات الأدوية من جانب آخر؛ بسبب المفاوضات التي كانت جارية بينهما حول تحديد نسبة الزيادة في أسعار الأدوية، وكان المريض في هذه الأزمة بين سندان الحكومة ومطرقة شركات الأدوية، حتى حطمت هذه الأزمة عظام المرضى بعد الإعلان مؤخرًا عن زيادة أكثر من 3 آلاف صنف دواء.
مصادر رفيعة المستوى كشفت لـ “فيتو” أن المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، رفض طلب وزير الصحة الدكتور أحمد عماد بإعلان قرار زيادة أسعار الأدوية والقوائم من مجلس الوزراء، إلا أن مقربين من رئيس الوزراء نصحوه بتكليف وزير الصحة بهذه المسألة، حتى لا يتسبب ذلك في شحن الشارع المصرى ضده، لا سيما بعد قرارات تحرير سعر الصرف وتحريك أسعار المواد البترولية التي كانت سببًا في ارتفاع الأسعار في مصر بطريقة تفوق احتمال المواطنين.
وأوضحت المصادر أن رئيس الوزراء كان حريصًا على عدم إثارة الشارع بقرارات جديدة في هذه المرحلة الدقيقة والتي كثرت فيها المطالب سواء من الشارع أو مجلس النواب بضرورة البحث عن رئيس وزراء جديد.
ورغم حصول رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل على تعهدات من الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتمسك به في منصب رئيس الوزراء، فإن الأجهزة الرقابية نصحت رئيس الوزراء بعدم الإعلان عن زيادة أسعار الأدوية وترك الأمر للدكتور أحمد عماد، وزير الصحة، لا سيما أن اسمه ضمن قائمة المرشحين للاستبعاد في التعديلات الوزارية المنتظر الإعلان عنها في الأسبوع الأول من شهر فبراير المقبل.
خطة الحكومة تعتمد على الإطاحة بوزير الصحة كـ«كبش فداء» لقرارات زيادة أسعار الأدوية، لا سيما أن القرار له تبعات صعبة ومؤلمة على محدودى الدخل والفقراء والمهمشين، وهى الفئة الأكثر إصابة بالأمراض المزمنة ولا يتمتعون ببرامج الحماية الاجتماعية والصحية.
وزير الصحة أحمد عماد حاول إقناع رئيس الوزراء أكثر من مرة بالإعلان عن الزيادة حتى في بيان رسمى صادر عن المجلس إلا أن التعليمات كانت صريحة، ولم تخرج عن مجلس الوزراء كلمة واحدة في هذا الشأن وترك الملف برمته لمسئولية وزارة الصحة، رغم أن كل القرارات وافق عليها مجلس الوزراء وتمت بمعرفته.
وتؤكد المعلومات التي حصلنا عليها أن الحكومة وعدت شركات الأدوية بزيادة جديدة في أصناف أخرى، وفى المقابل تحملت الشركات تكلفة إقامة المؤتمر الصحفى لوزير الصحة والذي تم فيه الإعلان عن قوائم الزيادة، بعد التعاقد مع شركة متخصصة، رغم أن الأولى تتحمل الوزارة التكاليف.
ومع أزمة تحرير سعر الصرف ورفع سعر الدولار عقد وزير الصحة اجتماعات يومية للوصول إلى حل لأزمة توفير الدواء مع شركات الأدوية التي امتنعت عن الإنتاج وتسببت في تعطيش السوق من الأدوية وتخزين المواد الخام وعدم الإنتاج تمهيدًا لرفع أسعار الدواء.
وخلال العشرة أيام الأخيرة التي سبقت الإعلان عن قرار زيادة الأسعار كان وزير الصحة يذهب إلى لجنة التسعير بإدارة الصيدلة كل يوم ليلا لسرعة الانتهاء من قرار التسعير وإعلانه قبل تنفيذ تهديدات نقابة الصيادلة بالإضراب، خاصة أن نقابة الصيادلة كانت ترفض رفع أسعار الأدوية وترى أن فيها تربحًا للشركات على حساب المواطن، إلا أن سرعة الإعلان عن زيادة أسعار الأدوية قبل تنفيذ الإضراب جاء لوضع الصيادلة أمام الأمر الواقع.
وأكد متعاملون في سوق الدواء أن وعود وزير الصحة بخفض سعر الأدوية مرة أخرى في حال خفض سعر الدولار مستحيلة التنفيذ، وما هي إلا مسكنات لتهدئة الرأى العام لحين تمرير قرار رفع الأسعار، خاصة أنها المرة الثانية التي يتم فيها رفع سعر الدواء في أقل من عام.
اجتماعات وزير الصحة مع شركات الدواء تضمنت مقترحات وجود موجة جديدة من رفع الأسعار خلال 6 شهور لاستكمال رفع أسعار الأدوية والأصناف التي لم يشملها قرار الزيادة الحالي، حيث تم رفع سعر 3 آلاف صنف دواء حاليًا أي 15% من مستحضرات كل شركة وقد رغبت الشركات في رفع أسعار كل المستحضرات التي تنتجها، وبما أن السوق الدوائية تحتوى على 12 ألف صنف دواء أي أنه من المتوقع زيادة 4 آلاف صنف دواء آخر، خاصة مع وجود ما يقرب من 4 آلاف صنف دواء منذ 5 سنوات استغنت عنها الشركات لوجود أدوية بديلة لها إضافة إلى 2000 صنف مسجلة على الورق لم تبدأ الشركات في إنتاجها من الأساس، أي أن السوق تحتوى فعليًا على 7800 صنف دواء وتم رفع 3010 أصناف دواء منها ويتبقى 4 آلاف صنف فعلا سيتم رفع سعرها، حسب محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق في الدواء.
الوعود التي وعدت بها كبرى شركات الدواء في مصر وبناءً عليها تراجع وزير الصحة في قراره بعدم رفع الأسعار لن تنفذ، حيث أكد الوزير في بداية أزمة تحرير سعر الصرف استحالة رفع سعر الدواء، مشيرًا إلى أنه تم رفع سعر الأدوية في شهر مايو 2016 ولم تلتزم الشركات بوعودها في توفير النواقص بالسوق، وفى تلك المرة أيضًا لن تلتزم بتوفير كل الأصناف التي لم يشملها قرار الزيادة ومجرد وعود في الهواء وبسؤال وزير الصحة عن ضمانات تنفيذ الشركات لوعودها وتوفير الدواء في السوق كان رده أن الضامن هو الله – عز وجل – وعلينا أن نبدأ صفحة جديدة مع الشركات وننسى ما مضى.
محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، قال لــ”فيتو”، إن المستحضرات التي لم يعد لها ملكية فكرية يجب أن ينخفض سعرها، مشيرًا إلى أن الزيادة الأخيرة تضمنت رفع عدد كبير من أدوية الجهاز الهضمى وأدوية مرض السكرى وأمراض الكلى والقلب على الرغم من إعلان وزارة الصحة بعدم رفع كل أدوية الأمراض المزمنة فإن الوزير تحجج بوجود أصناف تنتجها شركات قطاع الأعمال تحتاج إلى رفع سعرها لتتمكن من إنتاجها.
الصيدلى على عبدالله، مدير مركز الدراسات الدوائية، قال إنه طالما سعر الصرف غير مستقر سوف يكون لشركات الدواء مبرر لطلب زيادة جديدة ودائما لديهم طموح لذلك طالما تلجأ إلى الخارج لاستيراد متطلبات صناعة الدواء، مضيفًا أن التحديات العالمية الحالية تفرض على الشركات عابرة القارات الاندماج بين الكيانات العملاقة لتكوين كيانات أكثر نفوذًا وسلطة تفرض الرأى على صاحب القرار، مشددًا على أن التكنولوجيا الحديثة في صناعة الدواء عالميًا تجبر الشركات إلى زيادة تكلفة إنتاج المستحضرات، وبالتالى الحاجة إلى رفع سعرها.
ومن جانبها أكدت مصادر حكومية أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كلف مؤسسة الرئاسة بالتواصل مع مجلس نقابة الصيادلة لإقناعهم بفض الإضراب، وبالفعل نجحت مساعى الرئاسة في ذلك، وصدر القرار بتعليق الإضراب لأسبوعين.. وأشارت المصادر إلى أن الحكومة تدرس الآن رفع هامش ربح الصيادلة في سعر الدواء، لا سيما أن الشركات هي المستفيد الوحيد من التسعيرة الجديدة، وهو ما تسبب في غضب الأطباء ودفعهم للدعوة للإضراب والتنديد بقرارات رفع أسعار الأدوية.. كما أوضحت المصادر أن الصيادلة سيطالبون الرئاسة بضرورة إلغاء قرار وزير الصحة الأخير والخاص بالزيادة وتشكيل لجنة لتسعير الأدوية من جديد تتضمن هامش ربح معقول للصيدلي، وهو ما يعنى أن احتمالات زيادة أسعار الأدوية مجددًا موجودة وقوية جدًا، مما يهدد بأزمات طاحنة لهذا القطاع المهم والحيوى خلال الفترة المقبلة.
"نقلا عن العدد الورقي.."