رئيس التحرير
عصام كامل

وزير الأوقاف والخطاب الديني ونقابة الدعاة


من غير لف ودوران وكلام منمق ومزوق، وحتى لا نضيع الوقت والجهد فيما لا طائل من ورائه غير الخلاف وتبادل الاتهامات.. ما زالت رسالة الرئيس السيسي بشأن تجديد الخطاب الديني أو الفكر الديني تضل طريقها، ومازال وزير الأوقاف في مكانه لا يقدم رؤية أو مشروعا يصب بشكل مباشر في تحقيق هذه الدعوة التي تلقاها من الرئيس بشكل مباشر، والتي يراها الرئيس ويراها كل المعنيين بمواجهة فكر الإرهاب نقطة ارتكاز أساسية في هذه القضية، حيث إن كل ما فعله الوزير كان حديثا حول الخطبة الموحدة التي أثارت الجدل وتراجع عنها بعد ذلك..


ثم فاجأنا وبعبقرية غير معهودة في مشروع خطبة الجمعة لخمس سنوات قادمة.. وأنه بصدد عرضها على الرئيس الأمر الذي أثار سخرية الجميع لأكثر من سبب.. الأول هو: هل تجديد الخطاب الديني ينحصر في خطبة الجمعة على المنبر؟ وإذا كان الأمر كذلك عند الوزير فما معنى تجهيز خطب لخمس سنوات قادمة لا يعلم غير الله ما يحدث فيها من متغيرات وأحداث؟ والثاني: ما علاقة الرئيس بخطبة الجمعة ولماذا تعرض عليه، وهل الرئيس لديه من الوقت لقراءة ما يزيد على 260 خطبة ليجيزها أو لا يجيزها؟ والثالث هو: هل ما يقدمه وزير الأوقاف المسئول عن الدعوة والدعاة هو نتيجة بحث وتمحيص ورؤية بعد ثلاث سنوات من دعوة الرئيس؟

الحقيقة وبصراحة مطلقة أن رسالة الرئيس ضلت الطريق، وأنها وصلت إلى غير أهلها وإن كانوا أصحاب الاختصاص كما يزعمون، والحقيقة أيضا أن المسئولين الرسميين الموظفين في الأوقاف وكل المجامع الإسلامية وهيئات الكبار غير جادين أو مهتمين بالقضية، ولا بمجرد تمرير الفكرة على عقولهم وقلوبهم! والدليل هو كل هذا التأخير في بلورة مشروع جاد يحقق فكرة التجديد المطلوب !

وفي الوقت الذي يهتم فيه وزير الأوقاف بالشكل -مؤتمرات وتوصيات وندوات وخطبة موحدة ثم خطبة مكتوبة ثم قوالب جامدة من الخطب لخمس سنوات قادمة- ظنًا منه أن هذا هو التجديد والتطوير الذي نريده في مواجهة تطرف وغلو البعض الذين يبتعدون عن صحيح الدين ووسطية منهجه، يتجاهل عن عمد الوقوف وراء مشروع إنشاء نقابة للدعاة، بل يمارس بحكم وظيفته كوزير تعطيل خروج هذا المشروع للنور ضاربا بعرض الحائط ميزة نوعية مهمة لأكثر من 60 ألف إمام وداعية يتحملون عبء هذه الرسالة يحتاجون إلى دعمهم ورفع مستواهم ويتحررون من سلطة وظيفية روتينية تقتل الإبداع داخلهم وتحولهم إلى أبواق تكرر كلامًا معادًا ومكررًا لا يساير عقول شباب هذا الزمن ولا يناقش قضايا هذا العصر.

الوزير عند علمه بوصول مشروع لإصدار تشريع لنقابة للدعاة إلى البرلمان سارع بإرسال خطاب إلى مجلس النواب يطلب منه صورة من مشروع القرار لتناقشه لجنة خاصة بالوزارة وتبدي فيه الرأي، والغريب أن يكتب الوزير في ذات الخطاب فقرة لها العجب تؤكد تعنت الوزير والضغط على البرلمان لعدم قبول المشروع فيقول:

(مع تأكيدنا خطورة إنشاء نقابة مهنية ذات صلاحيات فيما يتصل بالعمل الدعوي، مما قد يجعلها عرضة لقفز أو تسلل بعض المنتسبين إالي الجماعات المتطرفة أو الموالين لهم وسيطرتهم عليها). 

الوزير يصادر مسبقًا على الحق في النقابة.. والوزير لا يثق في دعاة وزارته ويشكك في قدرتهم على حماية نقابتهم، والوزير يرى أن هناك متسللين يمارسون الدعوة ويخشى دخولهم النقابة، ومن أجل ذلك يرى عدم أهمية وجود نقابة مهنية للدعاة !

والحقيقة في تقديري غير ذلك.. الوزير لا يرى ضرورة لتجديد الخطاب الديني وتصحيحه، ولا يرى أهمية لــ 60 ألف إمام وداعية طالما يجلس فوق كرسي الوزارة، ومن الآخر لا يريد أن ينسحب البساط من تحته، والوزير سايب الحبل على الغـارب لبعض السلفيين يقولون ما يريدون على كثير من المنابر ويمنحهم التصريحات !

الدعوة لتصحيح الخطاب الديني ذهبت أدراج الرياح مع العاصفة التي اجتاحت مسئولي مؤسساتنا الدينية والدعوية، وبقي لنا الوقوف وراء ضرورة إنشاء نقابة للدعاة تحميهم وتعينهم على أداء واجبهم نحو الدين ونحو المجتمع.. والله المستعان.
الجريدة الرسمية