طيب.. وبعدين ؟!
لما تكلم إسلام بحيري عن حاجتنا لإعادة فحص السنة النبوية حبسوه، ولما نشر الباحث السوري الدكتور (محمد شحرور) كلامًا عن إعادة تأويل النص الديني انطلاقًا من قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان، منعوا كتبه في الكويت والسعودية والبحرين وفي مصر.
كثير من الأمثلة المشابهة موجودة وحية بيننا، بينما الأزهريون لا يمتنعون للآن عن الكلام عن تجديد الخطاب الديني.
بالمناسبة، كتب الدكتور محمد شحرور، مثل كتب الباحثة الدكتورة أبكار الثقاف، وجابر الأنصاري، وفراس السواح.. يتداولها المسلمون في أوروبا سرًا وفى الخفاء خوفًا من الأوصياء من مسلمي التطرف، وأعضاء المراكز الإسلامية في الغرب. فمن المسلمين في أوروبا من يردون على التحية بالسلاح، ومن يرفعون الخناجر في وجه الاختلاف، ومن يقذفون أحجار المنجنيق في بدايات الكلام في العقيدة ابتغاء مرضاة الله.
السؤال: لماذا نحن متعثرون للآن في تجديد خطابنا الديني ؟
إلاجابة: أولًا، لأننا لا نعرف ما المقصود بالتجديد، وثانيًا، لأننا لا نعرف ما هو المطلوب من المجددين، ثالثًا، لأنه لم يعد لدينا ما نفرق به بين حرامية الفراخ، ونشالين الموالد، وبين المفكرين وأصحاب الآراء المستنيرة، فرجال الدين يضعون الجميع في كفة واحدة.
التجديد في اللغة هو الانتقال من حال قديم إلى حال جديد، مع حفظ الأصل، وهو البت في أحكام الماضي، بإحكام الحاضر لغرض اقتضاه تغير الظروف، وفى الاصطلاح الديني التجديد هو استنباط الأحكام الشرعية من المصادر الأصلية، بغير ما استدل به الأولون على الأحكام، لطارئ طرأ ومسائل استجدت.
لكن: ما هى أسباب التجديد ؟
أول أسباب الحاجة إلى تجديد هو تغير الزمان وتغير الثقافات والأرضيات المعرفية لبني البشر، فالأرضية المعرفية للمسلمين في عصر الأي باد والإنترنت، غير الأرضية المعرفية للمسلمين في عصر أبي بكر وعمر وعثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعًا.
الحاجة إلى التجديد الديني معروفة، وموجودة، ومتعارف عليها حتى في عصور الإسلام الأولى، أبوبكر ( رضى الله عنه) في واقعة توريث الجدة، كان فكره قديمًا، لذلك رفض توريث جدة مات ابنها في حياتها، لأنه لم يجد لها نصًا في القرآن الكريم، لكن الذي حدث أن راجعه اثنان من الصحابة وورثوها بالفرض، وصية واجبة، قياسًا على ميراث الأم لابنها المتوفى في حياتها، وكان رأي الصحابة تجديدًا، بينما كان رأى «أبو بكر» في تلك الواقعة أنه تمسك بالنص، دون مرونة.
والإمام الشافعي جدد على آراء الإمام مالك والإمام الليث ابن سعد بعث للإمام مالك في المدينة معاتبًا على كثير مما يصدره مالك من فتيًا، ما أنزل الله به من سلطان، ولا دليل عليها في الأصول، فالإمام مالك مثلًا أجاز شهادة الرجل الواحد في بعض النزاعات، بينما نبهه الإمام الليث إلى أن الشهادة لرجلين، أو رجل وامرأتين بحكم قرآني.
ممكن تقول إن التجديد هو: (نفض التراب عما غم على السلف، واعتبره الخلف، بدافع المصالح وقيام المجتمعات).
السلف هم المسلمون الأوائل، أما الخلف فهم نحن. المقصود بما (اعتبره الخلف بدافع المصالح وقيام المجتمعات) هو ما يتوصل إليه المسلمون في العصور الحديثة بالاستقراء الصحيح، والأدوات العقلية السليمة رغبة في إصلاح المجتمع، وتقدمه.
رغبات التجديد ومحاولاته ليست ضد الدين إذا..
بالعكس المسلمون مأمورون بمحاولات التجديد، ونفض التراب عما غم على الأوائل، ما دامت محاولات التجديد لا تطعن في أصل، ولا تضرب في عقيدة.
الدعوة إلى تنقية التراث الديني لا تزال قائمة، المطلوب إعادة تقييم النظرة إلى تراث فقهي كتبه بشر، وصاغه بشر، وتداوله بشر، فماذا لو جاء من تكلم عن أفكار خرافية، هلامية، وقصص ليست حقيقية، وتهويمات دخلت إلى الدين، وأصبحت جزءًا منه، فاعتبرناها بمرور الوقت معلومًا من الدين بالضرورة ؟
كثير من جدلياتنا التراثية، حطمت عقلية المسلم، وجعلته يساوي بين الغيب وقصص الأشباح، وبين الأوامر الإلهية، وحبكات أفلام الكارتون!
إذا كان الإسلام صالحًا لكل زمان ومكان، فالأصل أن تكون له مرونة التواصل الزمني، والاستمرار متوافقًا مع ظروف العصر.
لو ظلت تفسيراتنا للعقيدة حكرًا على آراء أبو بكر، واجتهاد عثمان بن عفان رضى الله عنهما، لما أصبح الدين صالحًا لكل زمان.. ولما صحت الآية الكريمة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
الشهر الماضي، خرج إسلام بحيري من السجن.. لكن عشرات غيره سيدخلون ويجربون ما جربه بحيري بتهمة "البحث" ومحاولة الفهم.. بينما ما زال مشايخنا يتكلمون عن التجديد!
Wtoughan@hotmail.com
Twitter: @wtoughan