رئيس التحرير
عصام كامل

هنئهم يا نطع


لست من المؤيدين لفتوى دار الإفتاء التي تسمح بتهنئة المسلمين للأقباط بأعياد الميلاد، لا تتعجب! أنا معترض فقط على أن يلجأ مسلم لمفتي كي يسأله عن أمرٍ إنساني ومشاعري ووطني، وكأنما الدين قد تحول على يد كهنة المعبد إلى سياج كبير أو سجن ضيق، بحيث نضطر بسببه إلى اللجوء للمفتي لسؤاله عن كل كبيرة وصغيرة في حياتنا!.


تخبرنا كتب السيرة أن واحدًا من المسلمين ذهب في أمرٍ مشابه لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال له: لقد وجدت تمرة في الطريق فماذا أفعل بها؟ يا سلام على النطاعة! الرجل عثر في الطريق العام على بلحة، فحملها وكلف نفسه مؤنة الذهاب لسيدنا عمر ليسأله عن حكم الدين في تمرة عثر عليها في الطريق! ولكن سيدنا عمر لم يكن مثل دار الإفتاء المصرية، فلم يفكر في إصدار فتوى دينية بشأن البلحة، ولكنه أمسك العصا التي يتكأ عليها وضرب بها الرجل، وهو يقول له: كلها يا نطع، لذلك كان يجب على المفتي أن يضرب السائل بالعصا التي يتكأ عليها ويقول له: هنأ صديقك المسيحي بعيده يا نطع.

ومع ذلك فإن المسألة أصبحت لها بعد آخر، ذلك أن تراكم الفتاوى المسيئة عبر عقود أدى إلى خلل في العقلية المسلمة، خاصة بعد أن تسلطت الأفكار السلفية على عقول العوام، فمن ابن تيمية لابن خزاعة لابن السميدع حتى وصلنا لابن الوهابية وابن البنا وابن لادن وابن قطب، وعبر هؤلاء كلهم تناثرت وتكاثرت الفتاوى التي تحرم تهنئة المسيحيين بكل أعيادهم، و تحريم الترحم عليهم، وتحريم إلقاء السلام عليهم، ثم انتقلت هذه الفتاوى لمرحلة أخرى على يد الحويني ابن حجازي، و ياسر بن برهامي، ومحمد بن حسان، وحسين بن يعقوب، هذه المرحلة هى مرحلة تكفير ـ وليس التحريم.  

تكفير كل من يقوم بالتهنئة، أي إنه بمجرد أن قام بالتهنئة وهو خالي البال، إذا به ينتقل "أوتوماتيكيًا" إلى خانة الكفر، وطبعًا لأنه كافر فلن تنفعه صلاته ولا صيامه ولا حجه ولا حتى شهادة أن لا إله إلا الله التي يتلفظ بها بلسانه وقلبه كل يوم عشرات المرات، لأن عبادة الكافر غير مقبولة، ألم يصبح كافرًا عندهم؟!.

من أجل كل هذا لم يسترح فؤادي لفتوى دار الإفتاء أو فتوى الأزهر بإجازة التهنئة، فقد اعتبرتها نطاعة من السائل وجهلًا من المفتي بطبيعة الفتوى الدينية، وسيظل هذا الجدل عقيمًا بليدًا غبيًا إلى أن نعرف أن العلاقات الإنسانية تخضع لمشاعرنا، وأنه لا يجوز سؤال دار الإفتاء وغيرها من الهيئات عن كل أمر من أمورنا وإلا أصبحنا أنطاعًا مثل النطع الذي ضربه سيدنا عمر بن الخطاب.
الجريدة الرسمية