رئيس التحرير
عصام كامل

الفساد.. انعدام ضمير.. انعدام رقابة


باغتتنا في الفترة الأخيرة ظاهرة خطيرة وهي ظاهرة الفساد التي ظهرت من خلال عمل الرقابة الإدارية، وكشفها عن تورط مسئولين من العيار الثقيل مثل أحد الوزراء ومن دونه بقليل، وقد جاء عمل هيئة الرقابة الإدارية لمحاربة الفساد واقتلاعه من جذوره بتعليمات مباشرة من الرئيس السيسي الذي أعطى الضوء الأخضر لذلك، بل وصرح بأنه شخصيا ليس فوق المساءلة؛ مما جعل الهيئة تعمل بصلاحيات رئيس الجمهورية لكشف الفساد، ونحن نؤكد بداية أن تلك الظاهرة لم تكن مفاجأة للمجتمع الذي يعلم بها منذ سنوات ليست بالقليلة، لكن المفاجأة في قيام الأجهزة الرقابية ببعض عملها في كشف ذلك الفساد، ولا أقول بكل عملها لأن قيامها بكل عملها يعني انتهاء هذه الآفة القاتلة وإلى الآن لم يحدث ذلك.


ومن قضايا الفساد الشهيرة التي كانت في عام 2016 قضية الفساد في صوامع القمح، وقضية ضبط مدير مشتريات بمجلس الدولة وبحوزته 150 مليون جنيه رشوة وسيارات وعقارات، وقضية ضبط أكبر شبكة دولية للاتجار بالأعضاء البشرية بينهم 12 طبيبا وأساتذة جامعيين، وقضية ضبط العضو المنتدب لشركة إيجوث للفنادق أثناء تقاضيه رشوة مليون جنيه، وقضية ضبط وكيل مصلحة الخبراء بوزارة العدل متلبسا برشوة 350 ألف جنيه، وقضية إهدار 11 مليونا و510 آلاف جنيه بقطاع الإسكان بالمنوفية، وقضية سقوط رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للتنمية الزراعية والريفية برشوة 200 ألف جنيه، والقبض على مأمور ضرائب يتقاضى 100 ألف جنيه رشوة من إحدى الشركات الخ.

وعندما نحاول أن نقف على أسباب هذه الظاهرة القاتلة نجد بداية أن الفساد يعني إساءة استخدام السلطة الرسمية الممنوحة للفاسد، سواء في مجال المال العام أو النفوذ أو التهاون في تطبيق النظام، أو المحاباة وكل ما يضر بالمصلحة العامة وتعظيم المصلحة الشخصية.

ويتخذ الفساد أشكالا متنوعة منها الرشوة، أو إقصاء الكفاءات المؤهلة، أو المحسوبية، أو التكسب من وراء الوظيفة العامة، أو المحاباة، أو استغلال الممتلكات العامة، أو الواسطة على حساب الغير، أو إساءة استخدام السلطة الرسمية، أو استغلال النفوذ، أو عدم المحافظة على أوقات العمل الرسمي، أو الاستيلاء على المال العام، أو الابتزاز، أو وضع الشخص المناسب في غير المكان المناسب، أو التهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات أو تطبيقها على البعض دون الآخر، وقد يرجع الفساد لأسباب خاصة بالشخص الفاسد تتلخص في انعدام ضميره بسبب ضعف الوازع الديني، والانصياع لشهوات النفس الأمارة بالسوء، حيث إذا ضعف الوازع الديني فإن الإنسان يسلك سلوكا مفاده أن الغاية تبرر الوسيلة؛ لأن الرادع القوى لأي عمل إنساني هو مخافة الله سبحانه وتعالى.

كما يرجع مع ذلك السبب السابق إلى غياب الرقابة على الأداء، إذ إن غياب الرقابة يدفع الإنسان الفاسد بطبعه إلى ممارسة الفساد الذي قد لا يستطيعه في حالة وجود رقابة صارمة، وتطبيق الإستراتيجيات المضادة للفساد وسن الأنظمة والتشريعات والقوانين والشفافية فيها بما لا يدع مجال للشك، والوضوح في تطبيقها والجزاءات الصارمة في حق المخالفين، وهذا الأمر ملاحظ تماما في حياتنا اليومية، فنحن نجد الشخص الفاسد إذا عمل في دولة متقدمة سواء غربية أو عربية لا يستطيع ممارسة فساده لوجود القوانين الصارمة المفعلة التي تطبق فورا، لكنه في بيئة مثل مصر يعيث في الأرض فسادا لاختفاء تلك الرقابة فيفعل ما يحلو له.

وعلى ذلك ينبغي البدء بسن القوانين الرادعة للعمل العام بداية من أصغر موظف إلى أكبر مسئول، مع تطبيق تلك القوانين بقوة والرقابة الصارمة الشديدة وتوعية الموظفين بخطورة هذه الظاهرة وتداعياتها وتأثيرها على المجتمع وأخلاقياتهم، ومستقبل أبنائهم ودورهم في الإخبار عن حالات الفساد، وعقد ندوات دينية في المقار الحكومية يحاضر فيها رجال دين حول دور الدين في القضاء على الفساد الإداري، وكذلك دور العبادة والجامعات والمدارس والقنوات المسموعة والمرئية والمكتوبة في محاربة هذا الداء وخطورته على المجتمع، ووضع نظام مكافأة مالية لمن يقوم بالتبليغ عن حالات الفساد بشتى صورة، والابتعاد عن الشكاوى الكيدية.

وتحسين الظروف المعيشية للموظفين من خلال إيجاد عدالة في توزيع الرواتب تراعي طبيعة المؤهل وليس طبيعة الجهة التي يعمل بها الموظف فليس من المقبول أن يكون مرتب خريج كلية تجارة ويعمل في وزارة البترول مثلا أضعاف مضاعفة لزميله الذي يعمل بالتعليم، وتشكيل لجنة في كل دائرة حكومية للإصلاح الإداري لدراسة الواقع الإداري، وتغير سلوك واتجاهات العاملين لمحاربة الفساد، وعلاج الانحراف وقت اكتشافه، وتوفير القيادات الشابة النشيطة المؤمنة بالتطوير والتغيير، والتي لديها مؤهلات علمية وخبرات عملية متراكمة، ودعمها وتأهيلها لقيادة العمل الوظيفي لضمان نجاحها في قيادة التغير.

ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب بالاعتماد على الكفاءة والإبداع العلمي، وعدم الاعتماد على العلاقات الشخصية والمحسوبية والواسطة والعلاقات الأسرية، وعدم اعتماد سنوات الخدمة فقط في إشغال المناصب الإدارية والمالية والفنية، مع أهميتها، ولكن يجب يتزامن معها التحصيل العلمي والمعرفي والإيمان بالتطوير والتغيير والنزاهة والسلوك الحسن والاستقامة.
الجريدة الرسمية