رئيس التحرير
عصام كامل

«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. جـ2◄58


وما زالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبد الله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...

 

حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...

 
ومنها وَهْمٌ مَن قال: إنه ودَّع مرتين، ووَهْمُ مَن قال: إنه جعل مكة دائرة في دخوله وخروجه، فبات بذى طُوَى، ثم دخل من أعلاها، ثم خرج من أسفلها، ثم رجع إلى المحصَّب عن يمين مكة، فكملت الدائرة.


 ومنها وَهْمُ مَن زعم: أنه انتقل من المحصَّب إلى ظهر العقبة، فهذه كلُّها من الأوهام نبهَّنا عليها مفصَّلًا ومجملًا، وب الله التوفيق.



فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة

 وهي مختصة بالأزواج الثمانيةِ المذكورةِ في سُورة (الأنعام) ولم يُعرف عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصَّحابة هَدْى، ولا أُضحية، ولا عقيقةٌ مِن غيرها، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع أربع آيات..

 إحداها: قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنعَامِ} [المائدة: 1].

 والثانية: قولُه تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله في أيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28].

 والثالثة: قولُه تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًَا، كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ الله وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطَانِ، إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مُبِينٌ * ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج} [الأنعام: 142  - 143] ثم ذكرها.

 الرابعة: قولُه تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} [المائدة: 95].

 فدلَّ على أنَّ الذي يبلُغ الكعبةَ من الهَدْى هو هذه الأزواجُ الثمانية وهذا استنباطُ علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه.

 والذبائح التي هي قُرْبة إلى الله وعبادة: هي ثلاثة: الهَدْىُ، والأُضحية، والعقيقةُ.


 فأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنَم، وأهدى الإبل، وأهدى عن نسائه البقرَ، وأهدى في مقامه، وفي عُمرته، وفي حَجته، وكانت سُـنَّتُه تقليدَ الغنم دون إشعارها.


 وكان إذا بعث بهَدْيِه وهو مُقيم لم يَحْرُمْ عَلَيْهِ شىء كان مِنه حَلالًا.

 وكان إذا أهدى الإبل، قلَّدها وأَشْعَرَها، فيشُقُّ صفحة سَنَامِها الأيمنِ يسيرًا حتى يَسيلَ الدم. قال الشافعى: والإشعار في الصفحة اليمنى، كذلك أشعر النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم.


 وكان إذا بعث بهَدْيهِ، أمرَ رسولَه إذا أشرف على عَطَبٍ شىءٌ منه أن يَنحره، ثم يَصْبغَ نعلَه في دمه، ثم يجعلَه على صفحته، ولا يأكل منه هو، ولا أحدٌ من أهل رفقته ثم يقسِمُ لحمه، ومنعه من هذا الأكل سدًا للذريعة، فإنه لعلَّه ربَّما قصَّر في حفظه ليُشارِفَ العطَب، فينحره، ويأكل منه، فإذا علم أنه لا يأكلُ منه شيئًا، اجتهَد في حفظه.


 وشرَّك بين أصحابه في الهَدْى كما تقدَّم: البدنةُ عن سبعة، والبقرةُ كذلك.

 وأباح لسائق الهَدْى ركوبَه بالمعروف إذا احتاج إليه حتى يَجِدَ ظهرًا غيرَه وقال علىُّ رضى الله عنه: يشربُ مِن لَبنها ما فضَل عن ولدها.



 وكان هَديُه صلى الله عليه وسلم نحرَ الإبل قيامًا، مقيَّدة، معقولَة اليُسرى، على ثلاث، وكان يُسمِّى الله عِند نحره، ويُكبِّرُ، وكان يذبح نُسُكه بيده، وربما وكَّل في بعضه، كما أمر عليًا رضى الله عنه أن يذبح ما بقى من المائة. وكان إذا ذبح الغنم، وضع قدَمه على صِفاحها ثم سمَّى وكبَّر، وذبح، وقد تقدَّم أنه نحر بمِنَى وقال: (إنَّ فِجاجَ مَكَّةَ كُلَّهَا مَنْحَرٌ)  وقال ابنُ عباس: مناحِرُ البُدن بمكة، ولكنها نُزِّهَتْ عن الدماء، ومِنَى مِن مكة، وكان ابنُ عباس ينحرُ بمكة.


 وأباحَ صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِه أن يأكُلوا من هَداياهم وضحاياهم، ويتزوَّدوا منها، ونهاهم مرةً أن يدَّخِروا منها بعد ثلاثٍ لدافَّةٍِ دَفَّتْ عليهم ذلكَ العامَ مِن الناس، فأحبَّ أن يُوسِّعوا عليهم.


 وذكر أبو دواد من حديث جُبير بن نفير، عن ثوبان قال: ضَحَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم قَالَ: ( (يا ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لَنَا لَحْمَ هذِهِ الشَّاةِ)  )  قال: فَمَا زِلْتُ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ.



 وروى مسلم هذه القصة، ولفظه فيها: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له في حَجة الوداع: (أَصْلِحْ هذَا اللَّحْمَ)  قال: فَأصْلحْتُه، فَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى بَلَغَ المَدِينَة.



 وكان رُبَّما قسم لُحوم الهَدْى، ورُبما قال: (مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ) فعل هذا، وفعل هذا، واستدل بهذا على جواز النُّهبة في النِّثار في العُرس ونحوه، وفُرِّقَ بينهما بما لا يَتَبَّينُ.



◄ فى ذبح هَدْى المتمتع أو القارن
وكان مِن هَدْيه صلى الله عليه وسلم ذبحُ هَدْى العُمرة عند المروةِ، وهَدْىِ القِران بمِنَى، وكذلك كان ابنُ عمر يفعل، ولم ينحر هَدْيَه صلى الله عليه وسلم قطُّ إلا بعد أن حَلَّ، ولم ينحره قبل يومِ النحر، ولا أحدٌ مِن الصحابة البتة، ولم ينحره أيضًا إلا بعد طُلوع الشمس، وبعد الرمى، فهى أربعة أُمور مرتبة يوم النحر، أولها: الرمىُ، ثم النَّحرُ، ثمَّ الحلقُ، ثم الطوافُ، وهكذا رتَّبها صلى الله عليه وسلم ولم يُرخِّص في النحر قبل طلوعِ الشمس البتة، ولا ريبَ أن ذَلكَ مخالف لهَدْيِه، فحكمُه حكمُ الأُضحية إذا ذُبحت قبلَ طلوعِ الشمسِ.



◄ وأما هديُه صلى الله عليه وسلم في الأضاحى
 فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يَدَعُ الأُضحية، وكان يُضَحِّى بكبشين، وكان ينحرُهما بعد صلاة العيد، وأخبر أن: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَىءٍ، وإنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ). هذا الذي دلَّت عليه سُـنَّتُه وهَدْيُه، لا الاعتبارُ بوقت الصلاة والخطبة، بل بنَفس فِعلها، وهذا هو الذي ندينُ الله به، وأمرهم أن يَذبحوا الجَذَعَ مِن الضَّأْنِ والثَّنِىَّ مِمَّا سِوَاهُ، وهي المُسِنَّة.


 وروى عنه أنه قَال: (كُلُّ أيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ) لكنَّ الحديثَ مُنقطعٌ لا يثبُت وصلُه.


 وأما نهيهُ عن ادِّخارِ لحومِ الأضاحى فوقَ ثلاثٍ، فلا يدُل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط، لأن الحديث دليل على نهى الذابح أن يدَّخِرَ شيئًا فوق ثلاثة أيام مِن يوم ذبحه، فلو أخَّر الذبح إلى اليوم الثالث، لجاز له الادِّخارُ وقتَ النهى ما بينه وبين ثلاثة أيام، والَّذين حدَّدوه بالثلاث، فهموا من نهيه عن الادِّخار فوقَ ثلاث أنَّ أولها من يوم النحر، قالوا: وغيرُ جائز أن يكون الذبحُ مشروعًا في وقت يحرُم فيه الأكلُ، قالوا: ثم نُسِخَ تحريم الأكل فبقى وقت الذبح بحاله.


 فيقال لهم: إن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ إلا عن الادِّخارِ فوق ثلاث، لم ينه عن التضحية بعد ثلاث، فأين أحدهما من الآخر، ولا تلازم بين ما نهى عنه، وبين اختصاصِ الذبح بثلاث لوجهين..



 أحدهما: أنه يسوغُ الذبحُ في اليوم الثاني والثالثِ، فيجوزُ له الادِّخار إلى تمام الثلاث من يوم الذبح، ولا يَتِمُّ لكم الاستدلالُ حتى يثبت النهىُ عن الذبح بعد يوم النحر، ولا سبيلَ لكم إلى هذا.



 الثاني: أنه لو ذبح في آخر جزءٍ من يوم النحر، لساغ له حينئذ الادِّخارُ ثلاثة أيامٍ بعده بمقتضى الحديث، وقد قال علىُّ بن أبى طالب رضى الله عنه: أيامُ النحر: يوم الأضحى، وثلاثة أيام بعده، وهو مذهبُ إمام أهلِ البصرةِ الحسنِ، وإمام أهل مكة عطاءِ بن أبى رباح، وإمامِ أهلِ الشام الأوزاعى، وإمامِ فقهاء أهلِ الحديث الشافعى رحمه الله، واختاره ابنُ المنذر، ولأن الثلاثة تختصُّ بكونها أيام مِنَى، وأيام الرمى، وأَيام التشريق، ويحرُم صيامُها، فهى إخوة في هذه الأحكام، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع. وروى من وجهين مختلفين يَشُدُّ أحدُهما الآخر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كُلُّ مِنَى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيامِ التَّشريِقِ ذَبْحٌ) ، وروى من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، ومن حديث أُسامة بن زيد، عن عطاء، عن جابر.



 قال يعقوب بن سفيان: أُسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون، وفي هذه المسألة أربعةُ أقوال، هذا أحدُها.

 والثاني: أنَّ وقتَ الذبح، يومُ النَّحر، ويومانِ بعده، وهذا مذهبُ أحمد، ومالك، وأبى حنيفة رحمهم الله، قال أحمد: هو قولُ غيرِ واحدٍ من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وذكره الأثرم عن ابن عمر، وابن عباس رضى الله عنهم.


 الثالث: أنَّ وقتَ النحر يومٌ واحد، وهو قولُ ابنِ سيرين، لأنه اختصَّ بهذه التسميةِ، فدلَّ على اختصاص حكمِها به، ولو جاز في الثلاثة، لقيل لها: أيامُ النحر، كما قيل لها: أيامُ الرمى، وأيامُ مِنَى، وأيامٍُ التشريقِ، ولأن العيد يُضاف إلى النَّحر، وهو يومٌ واحد، كما يقال: عيد الفطر.


 الرابع: قولُ سعيدِ بنِ جبير، وجابرِ بن زيد: أنه يوم واحد في الأمصار، وثلاثةُ أيام في مِنَى، لأنها هناك أيام أعمالِ المناسكِ من الرمىِ والطواف والحلقِ، فكانت أيامًا للذبح، بخلاف أهلِ الأمصار.



فى الحظر على المضحى أن يأخذ من ظفره أو شعره إذا دخل العشر من ذى الحِجَّة حتى يُضَحِّى

 ومن هَدْيه - صلى الله عليه وسلم: أن مَن أراد التَّضحيةَ، ودخل يومُ العشر، فلا يأخُذْ مِن شعره وبشره شيئًا، ثبت النهىُ عن ذلك في (صحيح مسلم)  وأما الدارقطنى فقال: الصحيحُ عندى أنه موقوف على أم سلمة.


 وكان مِن هَدْيه صلى الله عليه وسلم اختيارُ الأُضحيةِ، واستحسانُها، وسلامُتها مِن العُيوب، ونهى أَنْ يُضَحَّى بِعَضْبَاءِ الأَذُنِ والقَرْنِ، أى: مقطوعة الأذن، ومكسورة القَرن، النصف فما زاد، ذكره أبو داود، وأمرَ أَنْ تُسْتَشْرَفَ العَيْنُ والأُذُنُ، أى: يُنظر إلى سلامتها، وأن لا يُضحَّى بِعَوْرَاءَ، ولا مُقابَلَة، ولا مُدَابَرَة، ولا شرقاءَ، ولا خَرْقَاءَ. والمُقَابَلَةُ: هي التي قُطِعَ مُقَدَّمُ أُذُنِها، والمُدَابَرَةُ: التي قُطِعَ مُؤَخَّرُ أُذُنِهَا، والشَّرُقَاءُ: التي شُقَّتْ أُذُنُها، والخَرْقَاءُ: التي خُرِقَتْ أُذُنُها. ذكره أبو داود.


 وذكر عنه أيضًا: (أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِئُ في الأَضَاحِى: العَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا، والمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا، والعَرْجَاءُ البَيِّنُ عَرَجُهَا، والكَسيرَةُ التي لا تُنْقى، والعَجْفَاءُ التي لا تُنْقى)  أى: من هزالها لا مُخَّ فيها.



 وذكر أيضًا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المُصْفَرةِ، والمُسْتَأْصَلَةِ، والبَخْقَاء، والمُشَيَّعَةِ، والكَسْراء. فالمُصُفَرة: التي تُستأصل أذُنها حتى يَبْدُوَ صِمَاخُها، والمُستَأْصَلَةُ: التي استُؤصِلَ قَرْنُها مِنْ أَصْلِهِ، والبَخْقَاء: التي بخقت عينُها، والمشيَّعة: التي لا تتبع الغنم عَجَفًا وضَعْفًا، والكَسْرَاءُ: الكَسِيرة، و الله أعلم.



◄ من هَدْيه صلى الله عليه وسلم أن يُضحِّى بالمُصلَّى
 وكان مِن هَدْيه صلى الله عليه وسلم أن يُضحِّىَ بالمُصلَّى، ذكره أبو داود عن جابر أنه شَهِدَ معه الأضحى بالمصلَّى، فلما قَضَى خُطبته نزل مِن منبره، وأُتى بِكَبْشٍ، فذبحه بيده وقال: (بِسْمِ الله، وَالله أَكْبَرُ، هذَا عَنِّى وَعَمَّن لَمْ يُضَحِّ مِنْ أمتى)،  وفي (الصحيحين) أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يَذْبَحُ وينحَرُ بالمصَلَّى.



 وذكر أبو داود عنه: أنه ذبح يومَ النحر كبشيْنِ أقرنين أمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَينِ، فلما وجَّهَهُمَا قال: (وجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا، ومَا أَنَا مِنَ المُشْركِينَ، إنَّ صَلاتى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتى للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لا شَريكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أوَّلُ المُسْلِمِينَ، اللهمَّ مِنْكَ وَلَكَ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِسْمِ الله، والله أكْبَرُ) ثُمَّ ذَبَح. وأمَر الناسَ إذا ذبحوا أن يُحسِنُوا الذبح، وإذا قتلُوا أن يُحسِنوا القِتلة، وقال: (إن الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ).


 وكان من هَدْيه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تُجزِئُ عَنًِ الرَّجُلِ، وعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ولو كَثُرَ عددُهم، كما قال عطاءُ بن يسار: سألتُ أبا أيوبٍ الأنصارىَّ: (كيف كانت الضَّحايا على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إنْ كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّى بالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ).

 قال الترمذى: حديث حسن صحيح.


◄ فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم في العقيقة

 في (الموطأ) أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ العَقِيقَةِ، فقالَ: (لاَ أُحِبُّ العُقُوقَ) كأنه كَرِهَ الاسم، ذكره عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى ضَمْرَةَ، عن أبيه. قال ابن عبد البر: وأحسنُ أسانيده ما ذكره عبد الرزاق: أنبأ داود ابن قيس، قال: سمعتُ عمرو بن شعيب يُحدِّث عن أبيه، عن جده قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ العَقِيقَةِ، فقال: (لا أُحِبُّ العُقُوقَ) وكَأَنَّهُ كَرِهَ الاسْمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله؛ يَنْسُكُ أَحَدُنَا عَنْ وَلَدِهِ؟ فَقَالَ: (مَنْ أَحَبَّ مِنْكُم أنَ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ، فَلْيَفْعَلْ: عَنِ الغُلاَم شَاتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاة).



 وصح عنه من حديث عائِشَةَ رضى الله عنها: (عَنِ الغُلام شَاتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ).

 وقال: (كُلُّ غُلاَم رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، ويُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى).



 قال الإمام أحمد: معناه: أنه محبوسٌ عن الشفاعة في أبويه، والرهن في اللُّغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، وظاهر الحديثِ أنه رهينةٌ في نفسه، ممنوعٌ محبوس عن خير يُراد به، ولا يلزمُ من ذلك أن يُعاقَب على ذلك في الآخرة، وإن حُبِسَ بترك أبويه العقيقةَ عما ينالُه مَنْ عَقَّ عنه أبواه، وقد يفوتُ الولَد خير بسبب تفريطِ الأبوين وإن لم يكن مِن كسبه، كما أنَّه عند الجِماع إذا سمَّى أبوه، لم يضرَّ الشيطانُ ولَدَه، وإذا ترك التسميةَ، لم يحصل للولد هذا الحِفْظُ.



وأيضًا فإنَّ هذا إنما يدُلُّ على أنها لازمة لا بُد منها، فشبه لزومَها وعدَمَ انفكاك المولود عنها بالرهن. وقد يَسْتَدِلُّ بهذا مَن يرى وجوبَها كالليث بن سعْد والحسن البصرى، وأهل الظاهر. و الله أعلم.



 فإن قيل: فكيف تصنعون في رواية همَّام عن قتادة في هذا الحديث: (ويُدَمَّى) قال همام: سُئِلَ قتادةُ عن قوله: و(يُدَمَّى)  كيف يصنعُ بالدم؟ فقال: إذا ذُبِحَت العقيقةُ، أُخِذَتْ منها صوفة، واستُقبِلَت بها أوداجُها، ثم تُوضعُ على يافوخِ الصَّبىِّ حتى تَسِيلَ على رأسه مثلَ الخيط، ثم يُغسل رأسه بعد ويُحلق. قيل: اختَلَف الناسُ في ذلك، فمِن قائل: هذا من رواية الحسن عن سَمُرَةَ، ولا يَصِحُّ سماعُه عنه، ومِن قائل: سماعُ الحسن عن سَمُرَةَ حديث العقيقة هذا صحيح، صحَّحه التِرمِذىُّ، وغيرُه، وقد ذكره البخارىُّ في (صحيحه) عن حبيب بن الشهيد قال: قال لى محمَّدُ بنُ سيرين: اذهب فَسَلِ الحَسَنَ ممن سمِع حديثَ العقيقة؟ فسأله فقال: سمعته من سَمُرَة.



 ثم اختُلِفَ في التدميةِ بعدُ: هل هي صحيحة، أو غلط؟ على قولين. فقال أبو داود في (سننه): هي وهم مِن همَّام بن يحيى. وقوله: (ويُدَمَّى)، إنما هو (ويُسَمَّى)  وقال غيرُه: كان في لسان هَمَّام لُثْغَةٌ فقال: (ويُدَمَّى)  وإنما أراد أن يُسمَّى، وهذا لا يصِح، فإن همامًا وإن كان وَهِمَ في اللفظ، ولم يُقِمْه لِسانُه، فقد حكى عن قتادة صفةَ التدمية، وأنه سئل عنها فأجاب بذلك، وهذا لا تحتمِلُه اللُّغة بوجه، فإن كان لفظُ التدمية هنا وَهْمًا، فهو من قتادة، أو من الحسن، والذين أثبتوا لفظَ التدمية قالوا: إنه من سُـنَّة العقيقة، وهذا مروى عن الحسن وقتادة، والذين منعوا التدمية، كمالك، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، قالوا: (ويُدَمَّى) غلط، وإنما هو: (ويُسمَّى)، قالوا: وهذا كان مِن عملِ أهلِ الجاهلية، فأبطله الإسلامُ، بدليل ما رواه أبو داود، عن بُريدة بنِ الحُصَيْبِ قال: كُنَّا في الجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لأَحَدِنَا غُلامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ الله بالإسْلاَم، كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُه بِزَعْفَرَان.


 قالوا: وَهَذَا وإنْ كَانَ في إسناده الحسين بن واقد، ولا يُحتَجُّ به، فإذا انضاف إلى قولِ النبىَّ صلى الله عليه وسلم: (أَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى) والدم أذى، فكيف يأمرهم أن يلطِّخوه بالأذى؟ قالوا: ومعلومٌ أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنِ الحَسَنِ والحُسَيْنِ بِكَبْشٍ كَبْشٍ، وَلَمْ يُدَمِّهِمَا، ولا كانَ ذلكَ مِنْ هَدْيه، وهَدْىِ أصحابِه، قالوا: وكيفِ يكونُ مِن سُـنَّته تنجيسُ رأسِ المولود، وأين لهذا شاهدٌ ونظيرٌ في سُـنَّته؟وإنما يَليقُ هذا بأهلِ الجَاهلية.



◄ فى عَقِّه صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين
 فإن قيل: عَقُّه عن الحسن والحُسينِ بِكبش كبشٍ، يَدُلُّ على أن هَدْيه أن على الرأسِ رأسًا، وقد صحح عبد الحق الإشبيلى من حديثِ ابنِ عبَّاس وأنسٍ أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنِ الحَسَنِ بِكَبْشٍ، وعَنِ الحُسينِ بِكَبْشٍ وكَانَ مولدُ الحسن عامَ أُحُدٍ والحسين في العام القابل منه.
الجريدة الرسمية