رئيس التحرير
عصام كامل

تراجع الليرة التركية تحت ضغط الاضطرابات السياسية والأمنية


ربما تكون الليرة التركية هذا العام على موعد لمواجهة وضع شديد التأزم دفع بها لتكون أكثر العملات تراجعًا بفقدها مايقرب من 17.5% من قيمتها عام 2016 ليستأنف هذا التراجع مع بداية العام مدفوعًا بالتوترات السياسية التي تعصف بتركيا داخليًا وخارجيًا، فالعوامل الجيوسياسية بحكم وقوع دول مضطربة سياسيًا وأمنيًا كالعراق وسوريا على الحدود مع تركيا وقيام الجيش التركي بالتوغل داخلهما تحت مبرر حماية الأمن القومي التركي، فضلًا عن التوترات الداخلية التي تعاني منها تركيا على الصعيدين السياسي والأمني والذي تمثل في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، الصراع مع جماعة كولن من جهة وحزب العمال الكردستاني من جهة أخرى إضافة إلى التفجيرات والهجمات الإرهابية المتكررة في عدة مدن تركيا، بالطبع فقد ألقى هذا المشهد المعقد بظلاله على الوضع الاقتصادي وعلى وضع الليرة التركية بالأخص.


المخاوف السياسية والأمنية تؤثر سلبًا على الليرة التركية
السياسة غالبًا ما تترجم في الاقتصاد، الأمر الذي تجلى في هبوط الليرة التركية لمستويات قياسية لتسجل 3.60 في مقابل الدولار الأمريكي في أسوق تداول الفوركس (forex) وذلك في مطلع هذا العام ويتوقع المزيد من تراجعها في ظل المخاوف الأمنية والسياسية، بجانب ارتفاع معدل التضخم إلى 8.5% العام الفائت على خلاف توقعات البنك المركزي التركي بعدم تجاوزه 7.5%.

وكانت الليرة التركية قد شهدت تراجعات متتابعة تعزى لعدة أسباب منها تقلب الوضع الاقتصادي العالمي وتراجع معدلات الإقراض في البنوك التركية مما يؤدي لانخفاض معدلات الاستهلاك وبالتالي تراجع قيمة العملة، ورغم قوة الاقتصاد التركي وحلوله في المرتبة الثامنة عشر ضمن أكبر عشرين اقتصاد على مستوى العالم -بحسب بيانات البنك الدولي- وزيادة قيمة الناتج المحلي لتبلغ أكثر من 717 مليار دولار عام 2015 وتنامي حجم الاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة وخفض عجز الموازنة إلا هذه القوة الاقتصادية التي تنامت خلال عقد ونيف، تواجه اختبار عسير في قدرتها على الصمود في وجه المتغيرات الحالية السياسية والأمنية، وبصرف النظر عن الوضع السياسي فالاستثمارات الأجنبية وعوائد السياحة قد تأثرت بشكل كبير خلال العام الماضي مقارنة بعام 2015.

مستقبل الاقتصاد والليرة التركية
لايزال يعتبر الاقتصاد التركي اقتصادا قويا إلا أن تراجع قيمة الليرة يعد مؤشرًا هامًا ينذر بتراجع معدلات النمو الاقتصادي وفقدانه لتلك القوة، وكخطوة لدعم الليرة التركية فقد دعت الحكومة المواطنين بالتكاتف معها لمواجهة هذه الأزمة وذلك بالقيام ببيع العملات الأجنبية لديهم وشراء العملة المحلية وذلك في ديسمبر الماضي وهو ما ساهم في تعافي الليرة التركية بشكل طفيف ولكن سرعان ما تراجع أثره وذلك لكونه حل مؤقت وغير ناجز للأزمة التي تواجهها الليرة.

فالأوضاع السياسية الخارجية والداخلية قد تؤثر وبقوة على الوضع الاقتصادي بشكل عام وعلى معدلات النمو مما يعني مزيدًا من التراجع في قيمة الليرة الأمر الذي يستدعي ضرورة تطويع ومعالجة الوضع السياسي لكي يصب في مصلحة الاقتصاد ودعمه بالنهاية والشروع في إجراءات تستهدف الحفاظ على قوته ورفع قيمة العملة من خلال فرض خطط لزيادة الإقبال على شراء الليرة من جانب المستثمرين وتيسير المعاملات التجارية والدولية التي تدفع بالعملة المحلية لزيادة الطلب عليها وبالتالي ارتفاع قيمتها.

وفي ظل تداعيات الظروف السياسية والأمنية لازالنا نترقب تطورات وضع الليرة التركية وموقف البنك المركزي الحرج الذي يجعله إما أن يلجأ لمحاولة دعم الليرة من خلال رفع أسعار الفائدة أو أن يدعم الاقتصاد بعدم تغيير أسعار الفائدة وبالتالي مزيد من التراجع في قيمة الليرة، مع تزايد القلق بشأن خفض التصنيف الائتماني للبلاد الأمر الذي يضع مزيدا من الأعباء على كاهل الاقتصاد التركي.
الجريدة الرسمية