رئيس التحرير
عصام كامل

الحرية هى الحياة


ما يعتقد الإنسان هو حق أصيل لكل فرد فى هذا العالم، فمنذ القدم والناس تتوارث ما يعتقده الأهل. وكلما ضاقت مساحة الحرية كُلما قل التفكير فى هذا الاعتقاد، أو تحليله موضوعيًّا، أو حتى التفكير فى ملاءمة ذلك لطريقة الحياة التى يسلكها الفرد.

ويصبح دائمًا الخروج عما تعتقده الجماعة دربًا من الجنون والجموح الذى قد يؤدى إلى نبذ ذاك الفرد، وقد يصل  الأمر فى بعض المجتمعات إلى إهدار الدم.

والسؤال المُحير الآن هو: لماذا ينزعج أو ينفعل أو يغضب ومن ثم قد يستخدم العنف أو حتى القتل لشخص ما حين يختلف آخر معه كان سابقًا له نفس المعتقد.

ويدعى ذاك الغاضب من الاختلاف أنه يريد مصلحة الشخص الآخر، وهُنا تبرز قضية  الحرية، وهى دائمًا الحل الأمثل فى اعتقادى لمثل هذا الادعاء، فكل شخص حُر فيما يعتقد مهما اختلف مع الآخرين، المُربك فى تلك الحكاية هو انزعاج بل وغضب الآخرين، فمن الواضح أن هذا الاختلاف يُخيف البعض؛ إذ يرون فيه تهديدًا للسلطة التى يتمتعون بها، فأول المُتضررين من هذا الاختلاف هم بعض رجال الدين، وذلك لأنهم يرون فى ذلك تهديدًا لسلطاتهم.

والادعاءات الأخرى كثيرة، مثل معرفة مصلحتك أكثر منك، وذلك على أساس أنك ستظل طفلًا مدى الحياة طالما بقوا هُم كبارًا، ولن تعرف أبدًا متى ستكبُر؛ لأنه ليس بالإمكان أن تُصبح أنت وهم كبارًا فى نفس الوقت.

و الادعاء الأكثر غرابة هو أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وذلك فى حد ذاته هدم لفكرة البحث والتساؤل، فما يُعتبر مطلقًا أو من الثوابت لدى البعض ليس بالضرورة كذلك لدى الآخرين، ومن زمن لآخر أيضًا. تصور مثلًا وضع المرأة قبل مائة عام فى مصر وقبل مائتى عام بأوربا، وأيضًا فكر فى كثير من المعايير الأخلاقية على مستوى العالم على مدار التاريخ، تجد أن النسبية والتغيير هما الأكثر حدوثًا وتأثيرًا.

هنا يبرز تساؤل منطقى: ما هو الحق المطلق إذًا؟ الحقيقة التى لا تُناقش!!

المطلق هو مطلق فقط فى الوقت الآنى لشخص ما فى مكان ما فى ظرف ما، ولا ينسحب المطلق لفرد ما أو مجموعة ما على باقى الأفراد أو المجتمع. وقد يظل ذاك المطلق مطلقًا لهذا الشخص مدى الحياة، أو قد يتغير إذا تغير الشخص، واحتمال تغير الشخص يعتمد بدرجة كبيرة على مدى الحرية المتاحة فى المجتمع الذى يعيش فيه، ومدى التعرض لخبرات متعددة.

فكلما زادت مساحة الحرية فى مجتمع ما كلما زاد صدق الأفراد فى التعبير عما يعتقدون فيه، وكلما زاد القهر والمطلق كلما ذاد النفاق والرياء.

إذ كيف تطلب من شخص أن يتبع طريقًا واحدًا فى الحياة، وإن لم يتبعه فعليه تحمُّل عواقب ذلك. مثل ما كان يحدث في أوربا فى العصور الوسطى ويحدث الآن فى بعض بلدان العالم.

فمثلًا قيام الهيئة الدينية فى إيران بتحديد شكل تسريحة شعر الرجال، ومن يخالف ذلك يعاقب، وهذا العبث بالحرية الذى يجعل الإنسان غير قادر على اختيار شكل تسريحة الشعر التى يرتاح لها، ويجد هيئة دينية تحدد له ذلك!! أليس هذا هو العبث ذاته.

وقيام بعض الجماعات الدينية فى أماكن مختلفة من العالم وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية بضرب من تجده فى أى مكان أثناء مواقيت الصلاة، أليس هذا أيضًا عبثًا بالحرية الشخصية، وهل يقبل الله صلاة من شخص هو مجبور عليها؟! وأليس من القهر أن تُجبر المرأة فى السعودية على عدم القيادة، ثم يعفوا عن إحدى السيدات جلالة الملك حين قبض عليها متلبسة بالقيادة!! فى أية دولة فى هذا العالم فى هذا القرن يقبض على إنسان لأنه يقود أو تقود سيارة!!! ويعفو عنها الملك!! لا يبدو لى أنه توجد جريمة كى يتم العفو عنها.

أيضًا منع بيع المشروبات الروحية؛ لأنها مُحرمة دينيًّا هو عبث بالحرية الدينية والشخصية، فدينيًّا المعيار الحقيقى هو وجود الشيء ثم قرارك الشخصى أن لا تمسه رغم أنه متاح، وتلك هى الحرية التى تفسح الطريق لمعرفة حقيقية، والقرار النابع من القلب هو قرار حياة، أما المجبر على فعل الشىء فهو فى حالة موت مُحقق.

الجريدة الرسمية