رئيس التحرير
عصام كامل

وحيد عبد المجيد: تغييرات ما بعد ثورة 52 دمرت مقومات القوة الناعمة لمصر





  • >> الاهتمام بالفنون ونشر الإبداع «ضرورة»..ولا نهضة إلا بإطلاق الحريات ودعم المبدعين
  • >> اليابان حققت المعجزات وأصبحت قوة اقتصادية كبرى بقوتها الناعمة
  • >> قدراتنا الإبداعية في الأدب والفن تتراجع وتسجل أدنى معدلاتها حاليًا


يرى الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، أن القوة الناعمة هي كل ما يدخل في إطار الإنتاج الفكرى والعقلى، لافتًا إلى أنها تزدهر في ظل أجواء حرية الفكر والإبداع والابتكار، مشيرًا إلى أن القوة الناعمة أقوى بكثير من قوة السلاح والتكنولوجيا، موضحًا أن اليابان ليس لديها قوة عسكرية لكنها تعتمد على قوتها الناعمة.. وإلى نص الحوار:


> بداية..برأيك ما مفهوم القوة الناعمة؟
القوة الناعمة هي كل مصادر القوة التي تعتمد على العقل والفكر والإبداع والابتكار وكل ما يدخل في إطار الإنتاج العقلى والفكرى.

> ما تاريخ توهج القوة الناعمة في مصر وأسباب التوهج وملامحه بالتفصيل؟
القوة الناعمة المصرية، بدأت مقدماتها في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مع حالة النهضة التي بدأت مقدماتها في تلك المرحلة، وازدهرت بعد ثورة 19 وترعرعت، في ظل الحرية النسبية التي عاشتها مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر والأول من القرن العشرين، واستمرت تداعياتها في الخمسينيات والستينيات، وبدءا من السبعينيات بدأت مصر تجنى الثمار المرة للاستبداد الذي شهدته في الستينيات والسبعينيات، نظرا لأن الاستبداد يعنى توقف العقل عن العمل، لأن يعمل ويبتكر ويبدع في ظل أجواء من الحرية، عندما تنتفى الحرية لا يستطيع العقل أن يعمل.
القيود التي تفرض على الإنسان تفرض في الأساس على عقله، ويتم تنميط الناس وتحويلهم إلى نسخ متشابهة، تحت شعارات افتراضية مثل: الاصطفاف ووحدة الصف ومواجهة الأعداء إلى آخره، فتضعف القوة الناعمة تدريجيًا إلى أن تنتهى، وهى الآن وصلت إلى نهايتها، ظلت تنحصر طوال العقود الماضية، إلى أن وصلت الآن إلى القاع.

> هل تعانى حالة الإبداع في مصر من قيود حقيقية تحاصرها؟
القوة الناعمة لا تزدهر إلا في أجواء من الحرية لكن عندما تزداد القيود على حرية التفكير والإبداع والابتكار، ويصبح السجن مصير كل من يفكر أو يبدع، يتحول الإنتاج الفكرى والعقلى إلى إعادة إنتاج ما سبق، ويحدث جمود في الإنتاج الفكرى والعقلى والإبداعى والابتكارى، ينتفى وجودها في الواقع وهذا هو ما نراه الآن، في كل المجالات بدءا من الفن إلى الأدب إلى مختلف جوانبهما ووصولا إلى العلم، والابتكار العلمى والاختراع، والإسهامات العلمية.
نحن في قاع العالم من حيث الإسهامات العلمية ليس لدينا أي إسهامات علمية تكنولوجية في أي مجال وأصبحنا مستهلكين لما ينتجه العالم، مثلما تراجعت قدرتنا الإبداعية في الأدب والفن وأصبحت في أدنى معدلاتها في المرحلة الراهنة.

> ما العلاقة بين القوة الناعمة والحرية؟
القوة الناعمة لا تصنع، عندما تتوفر الأجواء الملائمة لها وفى مقدماتها الحرية ينطلق التفكير والإبداع والابتكار ويخلق القوة الناعمة، العامل الرئيسى في وجود القوى الناعمة هو الحرية والعامل الرئيسى في غيابها هو الاستبداد، نظرا لأن الاستبداد دائما يؤدى إلى غيابها والحرية تؤدى إلى وجودها.

> هل القوة الناعمة أقوى من السلاح والتكنولوجيا؟
بالطبع بكثير، هناك بلاد في العالم ليس لديها أي قوة عسكرية، اليابان ليس لديها أي قوة عسكرية وكل قوتها هي قوة ناعمة، وكل إنجازاتها بالعالم مرتبطة بالقوة الناعمة، أيضًا دول شمال أوروبا، السويد الدنمارك النرويج، هذه البلاد ليس لديها قوة عسكرية، لكن لديها قوة ناعمة هائلة، يجعلها في مقدمة الدول بالعالم.
عندما نراجع المقاييس في مختلف المجالات سنجد أن هناك دولًا ليس لديها قوة عسكرية، لكنها دائما موجودة في المراكز المتقدمة، في المقاييس والمؤشرات العالمية، ومصر دائما موجودة في مؤخرتها، العشرين أو الثلاثين الأواخر من بين 160 دولة بالعالم، دائما في الربع الأخير في أي مقياس أو مؤشرات.

> هل تقاس قوة الدولة في النظام الدولى على حسب قوتها الناعمة أم على حسب قوتها العسكرية والاقتصادية؟
القوة الناعمة أصبحت أساسًا للقوة الاقتصادية، اليابان صنعت قوتها الاقتصادية من خلال قوتها الناعمة، نظرا لأن اليابان ليس لديها أي موارد لكن لديها عقول تفكر وتنتج معرفة ابتكار اختراع، أشياء راقية، والاقتصاد الذي يعتمد على العقل وحده، بلا أي مورد، سواء طبيعية أو رأس مال، يعتمد فقط على قدرة العقل القدرة البشرية، القوة الاقتصادية الآن تعتمد على القوة الناعمة، في العالم كله.
كل البلاد الناهضة مثال الهند تضع قوتها الاقتصادية اعتمادا على قوتها الناعمة، معظم الدول المتقدمة وكثير من الدول الصاعدة، يعتمد اقتصادها، على القوى الناعمة، نظرا لأنها إذا اعتمدت على الاقتصاد التقليدى، لكانت حاليا في مرتبة أقل بكثير مما فيه الآن، الهند على سبيل المثال لو اعتمدت على الاقتصاد التقليدى لحصلت على أضعاف الوقت التي استغرقته من خلال القوة الناعمة لكى تنتقل من العالم الثالث إلى مشارق العالم الأول.

> هل تؤثر التحديات التي تواجه البلاد على قوتها الناعمة؟
المؤثر الأساسى والجوهرى على القوة الناعمة، هو طبيعة النظام بالبلاد هل هو نظام استبدادى، أم ديمقراطى تتوفر فيه حرية التفكير والإبداع والابتكار، لا يكون هناك خوف من التحدث والكتابة والإبداع، وطرح الأفكار خوفًا من السجن أو الملاحقة، طبيعة النظام السياسي هي العامل الرئيسى ويتبع ذلك السياسات التي يتبعها النظام.
كلما كان النظام أكثر إدراكا لحماية القوة الناعمة، كان ذلك عاملا مساعدًا لازدهارها، لابد أن يتوفر مناخ من الحرية لكى تزدهر القوة الناعمة في البلاد، ولابد أن يكون النظام ديمقراطيًا لازدهار القوة الناعمة، النقطة الثانية أن يكون النظام مدركًا أهمية القوة الناعمة، ويعمل على توفير الأجواء الملائمة لها ولا نخشى منها.
باختصار شديد.. لن تستعيد مصر قوتها الناعمة المفقودة حاليا إلا بإطلاق الحريات والتحريض على التفكير والإبداع.

> ما أكثر فترة شهدت مصر فيها توهجًا للقوى ناعمة؟
النصف الأول من القرن العشرين، والفترة من العشرينيات إلى الأربعينيات واستمرت تداعياتها في الخمسينيات والستينيات، كان هناك بناء قاعدة قوية لها في العشرينيات لذلك استمرت للخمسينيات والستينيات، نجد أبرز المبدعين في الخمسينيات والستينيات نشأوا في الأصل في الثلاثينيات والأربعينيات لكنهم لم يولدوا في الستينيات، نظرا لأن القليل جدا الذين استطاعوا أن يبدعوا في ظل أجواء القهر، وأظن أن التغيير الذي حدث بعد 52، أدى إلى تدمير المقومات الأساسية للقوة الناعمة في مصر، وما تبقى منها إلا ما بدأ قبلها في الثلاثينيات والأربعينيات.

> هل يؤثر الإعلام في القوى الناعمة للدولة؟
الإعلام يزدهر مع ازدهار القوة الناعمة، وينحط مع انحطاط القوى الناعمة، عندما تنحط القوى الناعمة ينحط الإعلام، وعندما تتنامى يزدهر الإعلام، لذلك فهو متأثر بها.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية