رئيس التحرير
عصام كامل

نصف مليار جنيه تكلفة مبدئية لتطبيق «بوكليت الهلالي».. 5 أزمات تهدد النظام الجديد.. وكيل تعليم البرلمان: رفضنا مقترح أجهزة التشويش.. وخبير تربوي: الدولة تتعامل مع الطالب باعتباره «مسجل خ


شغل نظام امتحانات الثانوية العامة الجديد الرأي العام على مدى الأيام الماضية، فالنظام الذي أعلن عنه وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالي الشربيني يقوم في الأساس على تغيير شكل الورقة الامتحانية، فبدلًا من وجود ورقتي أسئلة وإجابة منفصلتين تم دمج الورقتين في كراسة واحدة أطلقت عليها الوزارة "بوكليت"، وفي هذا النظام تم التخلي عن الأسئلة الاختيارية، حيث يأتي الامتحان إجباريًا بالكامل.


وأثار "بوكليت الثانوية العامة" ردود فعل متباينة، ففي الوقت الذي أكد فيه عدد من الخبراء أهمية هذا النموذج باعتباره قادرا على مواجهة ظاهرة الغش الإلكتروني ومنع تسريب الامتحانات، رأى آخرون أن هذا النظام ليس إلا تغييرًا شكليا، وأن المطلوب إحداث عملية تغيير جوهرية، مؤكدين أن هناك عدة ألغام ستواجه نظام "البوكليت الجديد".

ورغم وجاهة المشروع من ناحية مكافحة الغش الإلكتروني، وتسريب الامتحانات، إلا أنه توجد 5 ألغام في طريق النظام الجديد، والذي لم يتم الموافقة عليه بشكل رسمي، ولكن من المتوقع أن يوافق عليه مجلس الوزراء وإحالته للبرلمان لإقراره.

مخالفة قانون التعليم
أول الألغام التي تواجه "البوكليت" تتمثل في أن تطبيقه بهذه الطريقة يخالف قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 والذي ينص في باب التعليم الثانوي العام "أنه تنظم بقرارات من وزير التعليم بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي مواد الدراسة وخططها والمناهج والامتحانات في التعليم الثانوي العام على أن تتضمن مواد الدراسة مواد أساسية لجميع الطلبة، ومواد أخرى للاختيار من بينها وفق استعداد الطالب وقدراته".

كما أن "البوكليت" لم يعرض على المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي من قبل، وإنما تم عرضه على مجلس الوزراء، ويجب لإقراره بقرار وزاري أن يوافق عليه المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي أولًا.

من جانبها أوضحت مصادر، داخل وزارة التربية والتعليم، أن السبب الرئيسي في أنه لم يعرض على مجلس التعليم، أن المشروع تتبناه اللجنة الوزارية التي شكلها المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، بمشاركة لجنة التعليم في البرلمان؛ لبحث أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة ووضع الحلول اللازمة لها.

أما ثاني الألغام فتتمثل في كنترولات الثانوية العامة التي تطبع أعضاؤها وكافة العاملين بها على نظام امتحانات معين، ولم يتم تدريبهم على النظام الجديد للامتحانات، وخاصة في مسألة "تظريف" أوراق الإجابات التي هي ذاتها أوراق الأسئلة، وأيضا لم يتم تدريبهم على كيفية تشوين الامتحانات، خاصة أن كل امتحان ستكون به 4 نماذج كل نموذج ترتيب أسئلته مختلف، ما يعني أن الطلاب المقيدين في امتحان كل مادة سيتم تقسيمهم إلى 4 أرباع، كل ربع له امتحان بترتيب معين.

اللغم الثالث أن الوزارة لم تشر إلى أنه تم تدريب المصححين على كيفية تصحيح النموذج الجديد للامتحان، والوقت المتبقي قبل امتحانات الثانوية العامة لا يكفي لتدريب كل هذا العدد.

فاتورة الدروس الخصوصية
أضف إلى ذلك أن "البوكليت" سيؤدي إلى ارتفاع فاتورة الدروس الخصوصية، وبخاصة في حصص المراجعات النهائية؛ لأن معلمي الدروس الخصوصية أنهوا تدريس المناهج للطلاب وفقًا للنظم السابقة للامتحان، والطلاب الذين بدءوا دروسهم في "السناتر" منذ شهر يوليو الماضي، قضوا كل هذه المدة في التدريب على الامتحانات وفقًا للنظام السابق، حتى أن الوزارة ذاتها رفعت قبل شهر نماذج لتدريب الطلاب على الامتحانات وفقًا للنظام القديم للامتحانات، وفي حال تطبيق "البوكليت" سيكون عليها تغيير كل ذلك.

اللغم الرابع الذي تواجهه الوزارة في هذا النظام، يتمثل في التكلفة الإجمالية لتنفيذه، لأن عدد طلاب الثانوية العامة يصل إلى نحو نصف المليون طالب، وعدد المواد الأساسية لامتحانات الثانوية العامة تصل إلى 13 مادة بخلاف المواد التي لا تضاف إلى المجموع، ويعني النظام الجديد طباعة امتحان كل مادة من 4 نماذج كل نموذج يختلف عن الآخر في ترتيب الأسئلة، وكل نموذج بمثابة كتيب صغير بصل عدد صفحاته إلى 20 صفحة ويضم من 25 إلى 50 أو 60 سؤالا في بعض المواد كما هو الحال في اللغة العربية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الوزارة كانت تتكلف لطباعة امتحانات الثانوية العامة بنظامها القديم أكثر من 100 مليون جنيه، أما مع النظام الحالي فإن التقديرات المبدئية، وفقًا لمصادر بقطاع الكتب في الوزارة قد تصل إلى نصف مليار جنيه، وهو مبلغ ضخم ستتحمله الحكومة، إضافة إلى النفقات الأخرى في ملف الثانوية العامة ومنها مكافأة الامتحانات وتكاليف أعمال التصحيح وإعداد اللجان والكنترولات.

أيضًا من الأمور التي تحتاج إلى احتياطات كبيرة في هذا الجانب رد فعل أولياء الأمور تجاه النظام، خاصة أن ملف الثانوية العامة بما له من شعبية وجماهيرية له حساسية خاصة في التعامل، ويحتاج الأمر إلى مزيد من الشرح والتمهيد من أجل قبوله.

من ناحيته، كشف الدكتور عبد الرحمن البرعي، وكيل لجنة التعليم في مجلس النواب عن كواليس اختيار نظام "البوكليت" في امتحانات الثانوية العامة، حيث أوضح أنه أثناء مشاركته في اللجنة التي تم تشكيلها في أعقاب فضيحة تسريب امتحانات الثانوية العامة العام الماضي لدراسة الحلول والمقترحات التي من شأنها مواجهة تلك الظاهرة خلال الأعوام التالية، كان من بين المقترحات استخدام أدوات للتشويش على أجهزة المحمول داخل اللجان، وكانت التكلفة المبدئية لتطبيق تلك الفكرة تتجاوز حاجز الـ150 مليون جنيه، وذلك قبل تعويم الجنيه، وارتفاع الأسعار، وهذا الرقم تضاعف بعد الارتفاع الجنوني للأسعار.

"البرعى" أشار أيضا إلى أنه أثناء جلسات اللجنة عرض الدكتور مجدي أمين رئيس المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي فكرة "البوكليت" وهي قائمة على تغيير شكل الورقة الامتحانية، وتوزيع أسئلة الامتحان على كافة الأوراق مع تحديد مساحات فراغ للإجابة عن كل سؤال، وهذا يعني أنه من المستحيل أن يقوم الطالب بتصوير ورقة الأسئلة بالكامل، لأنه في السابق كان من السهل تصوير ورقة الأسئلة، لأنها عبارة عن ورقة واحدة، ومن ثم يتم نشرها عبر صفحات الغش الإلكتروني بمواقع التواصل الاجتماعي من أجل تلقى الإجابات، إلا أنه مع النظام الجديد فإن ذلك سيصبح مستحيلًا لأن الأسئلة لم تعد قاصرة على ورقة واحدة، ولذلك يعد نظام البوكليت جيدًا للغاية.

من جهته، قال الدكتور مجدي أمين: "البوكليت" يقوم على فكرة تفكيك أسئلة الامتحان والاعتماد بشكل كبير على أسئلة الاختيار من متعدد، المشروع الذي أعده 6 أساتذة من المركز القومي للامتحانات التابع للوزارة، وسيتم فيه إعداد 4 نماذج لكل مادة في كل نموذج أسئلة بترتيب مختلف، حيث إن الطالب في اللجنة سيكون معه نفس أسئلة زملائه ولكن بترتيب يختلف عن الترتيب المسلم لزملائه المجاورين له، وهذا يقضي على الغش، كما أن جزئيات الامتحان محددة مع زمن الاجابة، وبالتالي فإنه ليس هناك مساحة من الوقت لكي يضيعها الطالب.

وتابع: النظام الجديد ستتراوح فيه الورقة الامتحانية بين 10 إلى 20 صفحة، وفي كل ورقة صفحة بيضاء في النهاية حتى إذا حدث خطأ من الطالب أثناء الإجابة في المكان المحدد لأحد الأسئلة، يمكنه الإجابة عنه في المكان الفارغ خلف الورقة، والنظام الجديد قريب الشبه باختبارات "التايمز" العالمية التي تطبق في الرياضيات والعلوم وتطبقها التنافسية العالمية.

مواجهة الغش الإلكتروني
في ذات السياق قال الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي، الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية: نظام "البوكليت" الغرض الأساسي منه هو مواجهة فكرة الغش الإلكتروني وتسريب الامتحانات؛ لكنه لا يقدم أي شيء جديد فيما يتعلق بالثانوية العامة.

وأضاف: الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم مهمومة بالأفكار التي من شأنها مكافحة الغش، ولم تهتم بالأفكار التي من شأنها تعليم الطلاب بشكل جيد، منتقدًا تعظيم عقوبة الغش في الامتحانات إلى السجن لمدة 7 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه، ومن قبلها كان هناك بحث عن استخدام أدوات للتشويش على أجهزة المحمول داخل اللجان؛ ولكن تكلفة تلك الأدوات حالت دون تطبيقها، حيث كانت ستتكلف عشرات الملايين قبل تعويم الجنيه، والآن هذه الأرقام تضاعفت.

"مغيث" واصل حديثه قائلا: كل هذه الأفكار والإجراءات تؤكد أن الدولة تتعامل مع الطالب باعتباره "مسجل خطر" أو مجرم، ولا تتعامل معه باعتباره طالبا بحاجة إلى التعليم بشكل جيد"، وما يحدث حاليًا يشبه تغيير الباسوورد؛ لأنه لم يحدث شيء يحارب الغش كظاهرة، لأن النظام التعليمي الحالي هو فاقد الأهلية لأنه نظام قائم على كيفية أن يحقق الطالب النجاح، وليس ماذا تعلم الطالب، وهو نظام به امتحان الفرصة الأخيرة خاصة في مرحلة الثانوية العامة، وبالتالي هو يعتمد على الحفظ.
الجريدة الرسمية