رئيس التحرير
عصام كامل

فضيحة في حق الوطن


لا أعرف من هو العبقري الذي مد أحمد موسى بمكالمات مسجلة للدكتور محمد البرادعى ليذيعها على الهواء مباشرة في قناة صدى البلد الرسمية؟!! ولا أعرف ما هو المقصود من إذاعتها؟ ولا أعرف كيف قرر ذلك دون أن يتساءل عن حجم الكارثة التي ستطال الوطن جراء ذلك؟ ليس لأن البرادعي شخصية دولية وليس لأهميته أو قدره وإنما لأن العالم كله سيشهد أن أجهزة مصرية تسجل للناس وتذيع ذلك عبر فضائيات؟!!


الأسئلة كثيرة خاصة وأن من بين تلك المكالمات مكالمة بين البرادعي ورئيس أركان الجيش في ذلك الوقت الفريق سامي عنان.. من الذي يستطيع تسجيل مكالمة لرئيس أركان القوات المسلحة؟ ومن ذلك الذي يمتلك الجرأة للإعلان عن ذلك؟.. لا يجب أن نقول إن التسجيلات خاصة بالبرادعي لأنها جريمة في حد ذاتها حتى لو كان البرادعي مواطنا عاديا، خاصة وأن التسجيلات في حد ذاتها جريمة إلا إذا اقتضت حالة الأمن القومي ولا نظن أن ما سرب يحمل شيئا من ذلك.

هل تصور السادة المسربون كيف سيرى العالم دولة تسجل لمواطنيها وتذيع ذلك على الهواء عبر فضائيات؟ هل يستعد الاستثمار الأجنبي للعمل في دولة تلك هي مواصفاتها؟ هل سيحترمنا العالم لأننا نسجل شتائم البرادعى ضد الناس؟ هل يعتبر ذلك نصرا مبينا للأجهزة الأمنية التي تفضح الخلق؟ إذا كانت تسجيلات البرادعي تحمل جريمة للرجل فإن محاكمته هي الطريق الشرعى الوحيد أما غير ذلك فإنها تصرفات صبيانية لا تليق بدولة في حجم مصر.

هل هناك فرق بين جريمة الإخوان عندما استطاعوا اختراق مكتب السيسي وتسريب حوارات بينه وبين مدير مكتبه أو تسريب مكالمات للواء عباس كامل وبين دولة تفعل ذات الفعل الذي أقدمت عليه جماعة إرهابية.. إن تصرف الدول لا بدّ وأن يتحلى بالقيم أما الجماعات التي سربت مكالمات كانت مؤذية لنا ولقادة نعتز بهم فإنها لا يحكمها ضمير الدولة إزاء ما تسجله حماية للأمن القومى وليس لمراهقة إعلامية ضررها علينا أكبر من نفعها.

لست واحدا من أنصار البرادعى لم أكن ولن أكون ولا أتصور أن للرجل أنصارا مزعجين إلى حد التصفية المعنوية ولا أظن أن الرجل ذو شعبية مخيفة أو أنه صاحب تهديد واضح للاستقرار، فأغلب نضالات البرادعي مجرد جملة يطرحها على مواقع التواصل الاجتماعى لا يراوح تأثيرها حجم تأثير خطيب مسجد في محيطه.

أغلب الظن أن جهازا أمنيا هو الذي سجل للناس وهذا أمر طبيعى في ظل مرحلة من الريبة والشك أما أن تمنح هذه التسجيلات لوسائل الإعلام فإن الأمر جد خطير ولا يليق بضمير الدولة التي لم تفعل ذلك في أحلك لحظات التاريخ.. لا زلت أتذكر عندما أسر إلى أحد القادة الأمنيين قبيل ثورة ٢٥ يناير بأن هناك تسجيلات مهمة لعدد من الشباب الداعين للتظاهر، وعندما قال أحد الحاضرين اعرضوا هذه التسجيلات رد الرجل قائلا: لا يليق.

التسجيلات إن كانت تحمل جريمة ضد الوطن فلتحاكموا أصحابها أما طرح هذا الأمر على وسائل الإعلام فإنه ينال من قداسة الحماية التي فرضت على الأجهزة عملية التنصت وإلا فما هو الفرق بين جماعة يحكمها الهوى ودولة يحكمها القانون.
الجريدة الرسمية