رئيس التحرير
عصام كامل

الكنيسة المصرية.. تعوض إخفاق الفاشلين


ما إن جلس «البابا تواضروس الثانى - بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية» على الكرسى البابوى في 2012، حتى بدأ في تجميل البيت القبطى داخليًا وخارجيًا، ومن هنا كانت زياراته الخارجية المتعددة التي بلغت حتى الآن 40 رحلة لدول من أقصى الشرق إلى غربه، حيث كان من بينها 14 رحلة لدول مختلفة، خلال أول عامين من توليه المسئولية ليجسد أدوارا وطنية مشهورة.


لم تمر شهور معدودة على تولى البابا تواضروس مهامه، حتى سارع بزيارة بابا الفاتيكان، ليعيد مد جسور التواصل مع كل الكنائس وكسر حواجز الجليد، بعد آخر زيارة للبابا الراحل شنودة الثالث في مايو 1973، وقت تولى البابا بولس السادس مسئولية الفاتيكان، وتوالت الزيارات ما بين روسيا وأوروبا وغيرها.

كان لـ«تواضروس» رؤية أخرى بدأت تتجلى شيئًا فشيئًا، خلال الفترة القليلة الماضية، فبابا الأرثوذكس يهدف إلى أن يكون ربانا حكيما لقيادة الكنيسة المصرية في المشهد الدولى بل احتضان الكنائس كلها تحت مظلتها.

وقاد بابا الكنيسة المصرية توجه الدبلوماسية الكنسية الشعبية لمواجهة ترويج «الإخوان» للمزاعم ضد مصر، بعد ثورة 30 يونيو، وتوضيح الحقائق في المحافل الدولية من خلال الأساقفة ورجال الكنيسة وزياراتهم المتعددة لدول أوروبية وغربية، سواء للمسئولين أو من خلال الكلمات داخل الكنائس.

«البطريرك» بدأ تمهيد فكرة الاحتواء من داخل مصر، قبل أن يعمم فكرة «قيادة الأرثوذكسية» لغيرها أو لتتحول القوى الناعمة دبلوماسيًا لحراك دولى مسيحى من أجل مصر والكنيسة المصرية، ودشن مجلس كنائس مصر والذي يضم الكنائس الخمس الأبرز في مصر.

وراح البابا تواضروس يخطو في كل اتجاه، لفتح قنوات التواصل مع بعض الكنائس التي انقطعت علاقات الكنيسة المصرية بها، ومن بينها الكنيسة الروسية التي مضى على آخر زيارة للبابا شنودة لها نحو 26 عامًا، ليعيد المياه إلى مجاريها بلقاء البطريرك كيريل، ومد جسر الحوار اللاهوتى بين الكنائس.

لم يكتف البابا بتلك الخطوات للكنائس الأرثوذكسية أو الكاثوليكية التي تؤمن بأسرار الكنيسة كـ«التناول والكهنوت»، بل راح يمد جسور البناء والعلاقات مع الكنيسة الإنجيليكانية، والتي تتبنى أفكار الإصلاح الإنجيلى وفى ذات الحين تعترف بالتناول وما شابه.

وأعطى «تواضروس» ظهره لكل هجوم تعرض له، سواء فيما يرتبط بمد جسور التواصل مع الكنائس المختلفة في الفكر والمعتقد، ولم ينظر للتشكيك فيه، بعدما زار القدس لحضور جنازة الأنبا إبراهام مطران القدس الراحل في نوفمبر الماضي، مما يعكس إقدامه على هدف يرغب تنفيذه دون الالتفات للنقد وحرب تكسير العظام.

زيارة البطريرك متياس الأول بطريرك إثيوبيا للقاهرة، للقاء البابا تواضروس، واحدة من أبرز ملامح الدبلوماسية الكنسية مع البابا تواضروس، فهناك عدة كنائس وأديرة في ظل العلاقة القوية التي تجمع الكنيستين المصرية والإثيوبية والتي يعول عليها الكثيرون أملا في حل مشكلة سد النهضة الإثيوبي.
مؤخًرا، استقبل البابا تواضروس الثانى رئيس أساقفة الكنيسة السويدية – وهى إحدى الكنائس المخالفة تمامًا للفكر الأرثوذكسي- ورحب بها في المقر الباباوى بالترانيم والتراتيل، وبحثا فتح حوار معًا ليبدأ البابا في احتواء كل الكنائس ولو كانت مخالفة فكريًا.

وتمسك البابا تواضروس بقوة بكل كبيرة وصغيرة لكسر جليد العلاقات، الذي تراكم 25 عامًا مع الكنيسة اليونانية، وعاود التواصل بزيارة تاريخية واستطاع أن يوجد مكانًا قانونيًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في اليونان بعدما تقدمت الحكومة والبرلمان اليونانى واعترفا بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية في هذا البلد الأوروبي، وفق مشروع القانون الذي قدمته وزارة التعليم والشئون الدينية اليونانية في 2014، لتنظيم الشكل القانونى للطوائف الدينية والروابط التابعة لها.

ودائمًا يتخلل زيارات البابا تواضروس للدول لقاءات مسئولين ورؤساء دول يفتحون خلالها مجالًا للتعاون بين تلك الدول ومصر، بالإضافة إلى خطوات جادة في إعداد قاطرة تواصل مع كل الكنائس الموجودة حول العالم، وتتصدره الكنيسة القبطية المصرية.

ويواصل التوسع في وجود الكنيسة القبطية بالمهجر، والتي توجد في 60 دولة حول العالم، بينها كندا وأستراليا ودول أفريقية، ويبلغ عدد الأساقفة والمطارنة حول العالم 122 أسقفًا ومطرانًا، وهناك أكثر من 50 ديرًا في مصر، و10 أديرة خارج البلاد.

ورغم ما تقوم به الكنيسة المصرية من أدوار وطنية مشهودة ومواقف بطولية لا تخطئها العين فإن الانتقادات تطالها بين الحين والآخر، ما يتطلب توجيه اهتمام مماثل بالداخل وحل مشكلاته واحتوائه بدلا من تجاهله وإهماله أو تأجيله.
الجريدة الرسمية