الوزير والفساد
في الوقت الذي يعلن فيه الرئيس الحرب على الفساد، وتطالعنا الأخبار كل يوم بضربات موجعة توجهها هيئة الرقابة الإدارية لمافيا الفساد المنتشرة في كل أواصل الدولة، اتخذ وزير الصحة الأستاذ الدكتو "أحمد عماد راضي منحًا مغايرًا لكل ذلك، ففي الوقت الذي تتعرض فيه البلاد لأزمات طاحنة من عدم توافر الأدوية والمستلزمات والمحاليل وألبان الأطفال والأجهزة الطبية وقطع غيارها وفشل سيادته في كل تلك الملفات، واكتفائه بترديد تعاونه الكامل مع أجهزة القوات المسلحة في محاولة للتهرب من المحاسبة عن واجباته ومسئولياته، رغم أن ذلك الفشل المتتالي ومحاولة نسبته للقوات المسلحة يسيء إليها كان سيادته مشغولًا بأمر آخر يراه أهم للشعب المصري من كل ذلك.
ولأسباب يعلمها السيد الوزير وحده، فوجئنا بتبنيه لإحدى أكبر قضايا الفساد في القطاع الصحي وهى النصب على المرضى من جانب من يقومون بممارسة مهنة الطب دون ترخيص أو دراسة تؤهلهم لذلك بغرض التربح، ولو على حساب حياة المرضى وصحتهم، وبدلًا من أن يبدأ السيد الوزير مكافحة الفساد بتشديد الرقابة على مؤسسات تقديم الخدمة الصحية الخاصة وتطبيق القانون على المخالفين، فؤجئنا به يهدي المنظومة الفاسدة قرارات وزارية ومشروعات قوانين تدعم استمرارها وازدهارها، حتى لم يعد السؤال عن أسباب قيامه بذلك بل أصبح السؤال عن مقابل فعل كل ذلك !!
وتأتي أزمة نقابات المهن الطبية الحالية كأحد شواهد فشل سيادة الوزير وانعدام أي أفق سياسي، بل وتطرح أسئلة قوية حول دعمه للفساد، ولنقارن بين أداء المسئول المصري وبين أداء المسئولين في الهند تجاه مشكلة النصب على المرضى من جانب بعض المهن الصحية المساعدة، واستخدامهم لألقاب طبية دون وجه حق للتغرير بالمرضى.
في أبريل 2016 وبعد انتشار جرائم الممارسة الطبية غير القانونية للمعالجين الطبيعيين في كل الولايات الهندية أكبر دول العالم، من حيث عدد السكان (1.3 مليار نسمة) أصدر المجلس الطبي العام توصيفًا لتلك الجرائم وتم إرساله لرئاسة الوزراء والبرلمان لتطبيق العقوبات القانونية، ونص تقرير المجلس المسئول عن تنظيم كل المهن المتعلقة بالصحة في الهند ":
إن المعالج الطبيعي بإدعائه أنه استشاري طبي أمام العامة واستخدامه للقب دكتور قبل اسمه وإدارته لعيادة تأهيل وعلاج ألم قد خدع العامة وارتكب مخالفات قانونية وردت بالمواد 336-417-418-419-425-469-471 من قانون العقوبات، إن إدارة المعالج الطبيعي لعيادة التأهيل والألم وعلاج المرضى بأنفسهم ودون إشراف طبي والتسجيل المطلوب في المجالس المختلفة يشكل خطرًا على حياة المواطنين، إن استخدام المعالج الطبيعي لقب دكتور قبل اسمه خداع ويمكن مقاضاته لذلك، المعالجين الطبيعيين ليسوا أطباء ولا يسمح لهم بوضع لقب دكتور أمام أسمائهم، وهذا تحذير عام من المجلس المنوط بننظيم كل الشئون الطبية في البلاد.
وكان الاتحاد الطبي الفيديرالي في الهند في مارس 2016 قد أصدر ما سمى "الورقة البيضاء" لحماية المرضى من الخارجين على القانون بمنع المعالجين الطبيعيين من استخدام لقب دكتور، وإدعاء أنهم مهنة طبية يمكنهم ممارسة الطب لخطورة ذلك على المرضى وعلى مهنة الطب.
لكن وزير الصحة المصري تحالف مع الفساد لأسباب أو بمقابل لا يعلمه إلا هو وبعد تكرار اعتداءات المعالجين الطبيعيين على الأطباء في المستشفيات، وبدلًا من مواجهة تلك الظاهرة الخطيرة بكل حسم كان رد الوزير عكسيًا فبدلًا من تشديد الرقابة لمكافحة هذا الفساد والنصب على المرضى، فوجئنا به يصدر قرارًا وزاريًا يحمل رقم 166 بفصل المعالجين الطبيعيين في أقسام خاصة بهم بالمخالفة لقانون مزاولة مهنة العلاج الطبيعي الذي ينص في مادته الثامنة: "على من يزاول العلاج الطبيعي وضع وتنفيذ برنامج العلاج الطبيعي بناء على التقرير الطبي الكتابي الصادر من الطبيب المعالج، وأن يكون على اتصال دائم به ويتبادل الرأي معه في شأن استمرار العلاج ويكون الاتصال فوريًا إذا ظهرت على المريض أعراض جديدة غير التي أثبتها فحص الطبيب المعالج من قبل.
ولايجوز لمن يزاول العلاج الطبيعي تشخيص الحالات أو أعطاء وصفات أو شهادات طبية أو دوائية أو طلب فحوص معملية أو إشعاعية أو غيرها".. وينص في مادته الحادية عشر على "مع عدم الإخلال بالإحكام الواردة في القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد الأولى والثامنة والتاسعة من هذا القانون وتضاعف العقوبة في حالة العودة"
ولم يكن ذلك خطًأ عابرًا بل كانت سياسة ممنهجة فقد تقدم السيد الوزير بمشروع قانون يحمل في طياته التغطية بل تسهيل الفساد والخروج على القانون بدلًا من وقفة جادة ضد الفوضى العارمة في الممارسة الطبية من غير الأطباء، وقيامهم بالتشخيص وطلب الفحوص ووصف العلاج بل والقيام بإجراءات تداخلية بالحقن والفصد وغير ذلك طلب سيادته ضم المعالجين الطبيعيين لاتحاد نقابات المهن الطبية، في محاولة لإدعاء أنهم مهنة طبية موازية وليست مساعدة للطب مما يسهل عليهم الممارسات الخارجة على القانون واستخدام الألقاب الطبية دون وجه حق.
وردت النقابات الأربعة التي تمثل الاتحاد الذي تم تأسيسه عام 1940 كصندوق للمعاشات بالرفض التام لضم نقابات المهن المساعدة ليس فقط، لأن مال الاتحاد مال خاص ملك لأعضاء النقابات الأربعة تبعًا لمدد اشتراكهم ولكن هذا الانضمام، وفى هذا الوقت بالذات يعد ليس فقط تسترًا على الفساد بل دعمًا من الوزير له، وفوجئ الجميع بإصرار غريب مريب من سيادته بمحاولة فرض هؤلاء فرضًا بتمرير مشروع القانون في مجلس الوزراء، وإرساله للبرلمان بالتزامن مع مشروع آخر لتغيير قواعد المهنة لتسمح لهم بالتشخيص والعلاج واستقبال المرضى بعيدًا عن الأطباء.
وبمقارنة سريعة بين ما تتخذه دولة مشابهة لنا في كل ظروفنا كالهند لحماية مواطنيها في نفس الوقت الذي يقوم فيه وزير الصحة المصري بعكسه تمامًا لتسهيل استغلال المواطن المصري وتمكينا لغير الأطباء من ممارسة الطب والتربح على حساب حياة المرضى وصحتهم.
وكلنا يعلم أن هذا يقف وراءه مافيا كبيرة من رءوس أموال وجدت في هذا التخصص دجاجة تبيض ذهبًا فكليات العلاج الطبيعي الخاصة غير مكلفة وتسويق وهم ممارسة الطب ومنح الألقاب الطبية لمن فاتهم قطار الالتحاق بكلية الطب، يمكن له أن يدر مئات الملايين كل سنة ناهيك عن أرباح المراكز التي تمارس الطب بالمخالفة للقانون، كل ذلك كان يحتاج فقط إلى مسئول ليتبني هذا الفساد فيسوق له ويحميه بل ويحاول تغيير القوانين للتغطية عليه.
ادعوا الله أن تجد كلماتي هذه آذانًا صاغية عند من يحبون هذا البلد ويخافون على هذا الشعب وأن نستطيع إيقاف عجلة الفساد الدائرة حتى لا نندم حين لا ينفع الندم.