رئيس التحرير
عصام كامل

إهانة الرئيس أم الشعب


رغم أننى ذهبت عدة مرات فى السبعينيات من القرن الماضى مكبلا بالأغلال إلى مبنى محكمة جنوب القاهرة، إلا أننى حزنت بسبب الحريق الذى نشب فى المبنى وأتى على العديد من ملفات القضايا السياسية وغير السياسية المهمة، فهذا المبنى يحوى بين أركانه وقائع كثيرة مسجلة من تاريخ مصر، وتحديدا تاريخ المحاولات الدائمة للسلطة لمطاردة وملاحقة المعارضين والزج بهم فى السجون باسم القانون!


فنحن لدينا ترسانة قانونية ضخمة تستخدمها السلطة عندما ترغب للنيل من المعارضين والإيقاع بهم وخنق أصواتهم المعارضة، ومن بين هذه الترسانة جرائم غريبة مثل تكدير السلم العام وتهيئة المناخ لقلب نظام الحكم، فضلا عن إهانة الرئيس، وهذه الجريمة الأخيرة كان اسمها قبل 1952 وأثناء عهد الملكية إهانة الملك، وبعد انتهاء الملكية وإعلان الجمهورية صارت إهانة الرئيس!

وكنا نتوقع بعد ثورة اندلعت من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة، أن تختفى هذه الاتهامات الغريبة من قانون العقوبات لدينا، وغيرها من الاتهامات الأخرى الهلامية الفضفاضة التى لا تمثل جرائم واضحة ومحددة، بينما تسمح بالزج بالمعارضين فى السجون، ولكن ذلك لم يحدث بل احتفظنا بهذه الاتهامات لمطاردة المعارضين وملاحقتهم والنيل منهم، وتكميم أفواههم وإخراسهم وإرهابهم.

وياليت الأمر اقتصر على ذلك فقط، بل إنه حدث إفراط فى استخدام هذه الاتهامات من خلال آلية مكشوفة هى البلاغات الكيدية التى يتم تقديمها بالأوامر والتعليمات ضد السياسيين والإعلاميين المعارضين، وهكذا بعد أن كانت جريمة إهانة الرئيس سلاحاً مسلطاً على رقاب المعارضين لم يستخدم لسنوات طويلة، رأينا استخدام هذا السلاح بالفعل فى مواجهة عدد من الصحفيين والإعلاميين.

عندما انتفضنا غضبا لذلك اكتفى رئيس الجمهورية، الذى هو كما يقال أول رئيس مدنى منتخب، بإجراء تعديل تشريعى يقضى بإلغاء الحبس الاحتياطى للمتهمين فى جريمة إهانة الرئيس، ولم يقم الرئيس بإلغاء هذه الجريمة الغريبة غير المحددة هى وغيرها من الجرائم الأخرى الهلامية والفضفاضة الأخرى، مثل تكدير السلم العام وتهيئة المناخ لقلب نظام الحكم، إنه أجّل فقط حبس المعارضين بدلا من إلغاء هذا الحبس، كما كان مأمولا من أول رئيس للجمهورية تولى هذا المنصب جاء فى أعقاب ثورة طالبت بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وهكذا أبقى الرئيس على سيف الحبس على رقاب المعارضين، خاصة الإعلاميين منهم.

المثير للدهشة أنه فى الوقت الذى يعاقب قانوننا من يرتكب جريمة إهانة الرئيس بالسجن، فإنه لا يعاقب بأى شىء الرئيس أو الحاكم الذى يهين شعبه، وكأن العقاب فى اتجاه واحد فقط ومخصص للمعارضين وليس للحكام، أو كان الحكام يرتكبون أخطاء فى حق شعوبهم ولا يقومون بإهانتهم.

إن الحاكم أو الرئيس يمكن أن يهين شعبه بالعديد من الوسائل والطرق، فهو عندما يخفى الحقيقة عن الشعب فإنه يهينه، وعندما يخرج على الشعب ويعده ولا يفى بوعوده فإنه يهينه، وعندما أيضا يفرق فى المعاملة بين طوائف وفئات شعبه فإنه يهين هذا الشعب، وكذلك فإن الحاكم أو الرئيس عندما يقصر فى أداء مسئوليات منصبه أو يتغول على السلطات فإنه يهين شعبه، لأن هذا الشعب لم ينتخبه إلا لكى يلتزم بمسئولياته فقط.

أما الإهانة الأكبر للشعب فهى أن يسلبه الحاكم حقوقا أساسية فى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة.
الجريدة الرسمية