6 إبريل
أعود بالذاكرة إلى ما جرى ويجرى فى مصر، أتذكر ما جرى من تطور فى الحركة الوطنية المصرية فى السنوات الأخيرة، وأعرف أن حركات عظيمة مثل كفاية تصدرت المشهد بقوة، وكذلك ما جرى من ظهور للدكتور محمد البرادعى والجمعية الوطنية للتغيير، ومن التف حوله من الفصائل القديمة.
لكن تظل حركة 6 إبريل ذات قيمة خاصة؛ لأنها كانت ومازالت حركة أساسها شباب لم نكن نسمع عنهم من قبل، ولأنها دفعت بالبلاد فى طريق النضال أسرع من غيرها باستخدامها الواسع لإمكانات الإنترنت الإخبارية على الأقل، دعت إلى الإضراب فى مصر لأول مرة بشكل واسع عام 2008، وكأن الشباب فى مصر كان ينتظرها.
كانت الدعوة على موقع "فيس بوك" أكبر من غيره من المواقع، وظهرت صفحات لهذه الدعوة بلغ متابعوها والموافقون عليها أحيانًا 70 ألفا وأكثر، فى ذلك الوقت اعتبر النظام السابق أن ذلك لا يعدو لعب عيال، لكن السادس من أبريل ذلك العام شهد إضرابًا واسعًا فى المحلة.
بل أكثر من ذلك شهد معارك مع قوات الأمن وعمال المحلة راح فيه ضحيايا أبرياء، وكان المشهد فى القاهرة وغيرها ليس كما هو فى المحلة، لكن بدا أن سلاح الإضراب يدخل فى الثقافة الوطنية من جديد وبقوة.
لن أحكى ما جرى حتى ثورة يناير عام 2011 فذلك كله صار معروفا، لكن ظهرت وجوه هؤلاء الشباب فى الصحف والفضائيات وصار الناس يسمعونهم لأول مرة بشكل كبير أثناء الثورة وبعدها، انقسمت الحركة بعد الثورة إلى فريقين كبيرين، وانطوى الكثير من هؤلاء الشباب تحت أحزاب جديدة..
لكن ظل لـ6 إبريل معنى وقيمة كبيرة، وظلت دعوة شبابها لها عطر وجاذبية رغم ما يتبادله كثير من الشباب من انتقادات لبعض مؤسسيها أو قياداتها، وبالنسبة لى، بعيدًا عن أى انقسامات، تظل هذه الحركة أملا أكثر من غيرها، أجل، لا أرى معنى ولا نجاحا حقيقيا لهذه الثورة إلا إذا صار شباب 6 إبريل، والشباب عموما.قادة لهذه الأمة.
بعد الثورة ونجاحها فى أول خطوة وهى خلع مبارك، ردد الجميع أن هذه الثورة بلا قيادة وهذا أخطر ما فيها أو أكبر عيوبها، وهو كلام صحيح إلى حد كبير جدا، وظهر كثير من قادة النضال الحقيقى وغير الحقيقى من الكبار فى صدارة المشهد. وانقسم كثير من الشباب حولهم بين مؤيد ومعارض. وبدا لى أنهم صدقوا المقولة رغم أنهم المفجر الأكبر للثورة، وربما كان ذلك خروجا لهم من انقسامات بينهم، بينما ذلك هو الانقسام بعينه.
وظللت أردد أن الوقت سيصهر الشباب حتى يستطيعون فى النهاية على التوحد تحت قيادة بعضهم، رغم ما بدا لى دائما من تأكيد أن الثورة بلا قيادة قول أيضًا يراد به إبعاد أى قيادة من الشباب، وللأسف ظل الأمر على ما هو عليه ولم يتحد الشباب على قيادة وأن بشكل تكتيكى حتى ينتهوا من كل آثار الماضى السيئة بما فيها من عسكر وحزب وطنى وإخوان وسلفيين.
للأسف لم يحدث حتى الآن رغم مرور عامين على الثورة كانت كافية لذلك، لكنى ما زلت أرى أن هذه الحركة تستطيع أن تفعل الكثير، وربما لو انتبهت إلى أن الانقسام فرصة لغيرها أعادت النظر فى أحوالها، ومن ناحية أخرى لا أعرف إلى أى حد سيظل هذا الانقسام رغم ذلك بينها، وما الفائدة منه لكل فصيل، وكيف صار التناقض بينهم إلى هذا الحد رغم أن ما أراه أنها بكل فصائلها هى الأكثر حماسا دائما للدعوة إلى الاحتجاج والخروج إلى الشارع ضد نظام الحكم الذى أيده فريق منهم وقد خيب أملهم وأمل الأمة كلها، ودعوتهم.
لكن ليس هذا المقال للدخول فى أى تفسير لما جرى بينهم أو نقاش، فقط لتأكيد أن هذه الحركة كانت مفجرا كبيرا للثورة ويجب أن تظل كذلك، ومهما جرى من انقسامات واختلاف رؤى فما فعلته يستحق التقدير الكبير وسوف يقف التاريخ أمامه كثيرا، والحركة دائمًا فى مكانها العظيم، وستكون موضع فخر لهذا الجيل لا يستطيع أحد نكرانه، تحية لهم رغم اختلافهم وتحية لكل من آزر ويؤازرهم.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com