الغلابة وحدهم يدفعون الثمن يا ريس !!
عندما تهب رياح يناير منذ العام 1977 ودائمًا تأتى بأخبار غير سارة على الغلابة من شعب مصر، فمنذ قرر الرئيس السادات أن 99% من أوراق اللعبة في يد الأمريكان كان قد قرر أن يتخلى عن المشروع الاجتماعى لثورة 23 يوليو 1952 تلك الثورة التي قررت منذ يومها الأول أن تنحاز للغلابة من شعب مصر.
فقبل الثورة كان يطلق على المجتمع المصري مجتمع النصف في المائة ذلك النصف الذي يحوز الثروة والسلطة، في حين كانت الأغلبية من الغلابة الذين يعيشون تحت خط الفقر، وحتى لا نخدع الأجيال الجديدة بالعصر الملكى فليعلم الجميع أن حكومة الوفد قد تقدمت بمشروع قانون لمجلس النواب عام 1944 يعرف بالمشروع القومى لمكافحة الحفاء لأن الغالبية العظمى من المصريين كانوا يسيرون دون أحذية.
هكذا كان حال الغلابة في مصر عشية قيام الثورة، وجاءت الثورة لتنتصر لهم، وخلال الفترة الممتدة من 1952 إلى 1970 نمت الطبقة الوسطى في مصر بشكل غير مسبوق نتيجة الانحياز الواضح للغلابة، وحتى لا يتم تزوير التاريخ يجب أن نذكر شهادة البنك الدولى على هذه المرحلة، حيث تؤكد أن الفائض من العملة الصعبة الذي تركته مصر عام 1970 تجاوز 250 مليون دولار، أي أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية وقتها، وبلغ ثمن القطاع العام الذي بناه المصريون في تلك الفترة وبتقديرات البنك الدولى نفسه 1400 مليار دولار.
وجاء الرئيس السادات وتخلى بشكل مطلق ونهائي عن المشروع الاجتماعى لثورة يوليو، وهو ما يعنى تخليًا عن الغلابة الذين دعمهم وانحاز إليهم المشروع، وأعلن الرجل عن سياسات جديدة تعرف بسياسة الانفتاح الاقتصادى، وهى ما أطلق عليها في حينه الكاتب الصحفى الكبير أحمد بهاء الدين انفتاح (السداح مداح) الذي يعلى من قيم الاستهلاك على قيم الإنتاج، ويعلى من قيم الفردية والأنانية، والاستغلال والبحث عن الخلاص الفردى بأى وسيلة حتى ولو كانت غير مشروعة، وسمعنا عبارة من لم يغتني في عهدى فلن يرى الغنى من بعدى.
وجاءت رياح يناير 1977 وقامت الحكومة برفع أسعار السلع الأساسية تنفيذًا لسياسات التبعية مع استخدام مصطلح الإصلاح الاقتصادى وفق تعليمات صندوق النقد الدولى، وبالطبع دفع الغلابة وحدهم ثمن هذه السياسات دون أن نجنى أي إصلاح اقتصادى، وكان الثمن المزيد من المعاناة للغلابة الذين ثاروا على تلك السياسات فوصفت انتفاضة الخبز التي قاموا بها بانتفاضة الحرامية.
ورحل الرئيس السادات وجاء من بعده الرئيس مبارك وقرر أن يستمر على نفس المنوال بتطبيق سياسات التبعية، وظل على مدى ثلاثة عقود كاملة يرفع لنا نفس الشعارات ويستخدم نفس المصطلحات المشبوهة، وفى مقدمتها مصطلح الإصلاح الاقتصادى وفقًا لروشتة صندوق النقد الدولى، وكانت النتيجة هي مزيد من المعاناة للغلابة الذين دفعوا ثمن هذا الإصلاح الذي لم يحدث، وقامت ثورة الغلابة في يناير 2011 فقرر مبارك وعصابته الانتقام من الغلابة بمزيد من المعاناة.
وهبت رياح يناير 2017 ومازالت سياسات التبعية تطبق بحذافيرها ومازال رجال الأمريكان والصهاينة أصحاب المشروع الأصلى بالداخل يسيطرون على الثروة وأجزاء مهمة من السلطة، ويقومون بعقاب الغلابة الذين ثاروا على كبيرهم مبارك وعصابته، وتحت نفس الشعارات القديمة التي يقدمها صندوق النقد الدولى وأهمها شعار الإصلاح الاقتصادى، حيث قامت الحكومة الراهنة بتطبيق روشتة الصندوق بهدف الحصول على قرض جديد فقامت بتعويم الجنيه ورفع الدعم وزيادة الضرائب، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنونى على كل المستويات بما لا تطيقه الغالبية العظمى من الغلابة في بر مصر.
وعلى الرغم من تلك المعاناة الجديدة يتحلى الغلابة بالصبر، ويؤجلون أي تحرك ثورى ضد السلطة السياسية حتى لا يفهم أنه ضد شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يؤسرهم بلغة الحب، ومشاركته الوجدانية لمعاناتهم، لكن هذا الحب وهذه المشاركة الوجدانية ليست كافية لرفع المعاناة عن الذين يموتون جوعًا، لذلك لابد أن يعي الرئيس السيسي أن صبر الغلابة قد قارب على النفاد فهم وحدهم من يدفع الثمن يا ريس، اللهم بلغت اللهم فاشهد.