رئيس التحرير
عصام كامل

التطوير وليس التطهير


النهوض بأى دولة مهما كانت حالتها الاقتصادية تبدأ من التعليم والبحث العلمى بشكل متوازى تمامًا بينهما فالتعليم له خبراؤه وباحثوه وعلماؤه الذين يقع على عاتقهم وضع نُظم التعليم من المراحل الأساسية إلى المرحلة الثانوية والتى يجب أن تتطور بصفة مستمرة لتتوافق مع معطيات العصر ووفق احتياجات البلد التى يعيشون بها. فالتعليم منظومة كبيرة يشترك فى تدعمها جميع تخصصات البحث العلمى المسئولة عن توفير مناخ صالح لاكتشاف المواهب والعقليات العلمية وتنميتها والاستفادة منها.


ويتم هذا وفق استرتيجية خاصة تدور فى فلك لأيديولوجية البلد التى تتم فيها لكى نحصل فى النهاية على منتج بشرى قادر على العطاء والابتكار.

ولذلك لابد أن يكون الجزء الأكبر من ميزانية الدولة موجه إلى التعليم والبحث العلمى ولكن هنا يجب أن نعى جيدًا أين تذهب ميزانيات الدولة المخصصة للتعليم والبحث العلمى قبل أن نضخ الميزانيات الضخمة لها؟

فبالنسبة للتعليم فتضيع الميزانيات فى شراء اللاشىء فلا تلمس تطوير ولا تعليم بل تسديد لبنود وخانات ومكافائات فقط ولكن هل كانت هناك استراتيجية واضحة ومدروسة ومعلنة نُقشت ووضعت لها خطة زمنية تعتمد على حصر جميع المدارس الحكومية لتطورها؟ وهل تطوير التعليم يعتمد فقط على دهان الحوائط والمقاعد؟  هذا جزء بسيط جدا من منظومة التطوير الضخمة التى لم نبدأها منذ زمن بعيد جدًا.

ولابد أن تتضافر الجهود داخل وخارج وزارة التربية والتعليم ويكون هناك سعة صدر تتسع لكل الأفكار والنقد لأنه فى النهاية لابد أن تسفر هذه المجهودات على منتج ملموس يُرى كوضوح الشمس فى كل خطواته وتراقب الخطط الزمنية لتنفذها مع لزوم وجود هيئة كبيرة من كبار المثقفين والعلماء لدراسة وحل الأزمات التى يمكن أن تعوق سير تنفيذ الخطط فى مواعيدها الزمنية المتفق عليها.

أما البحث العلمى وأنا يشرفنى أن أكون واحدًا من الباحثين الذين يعملون فى أحد المراكز البحثية الكبيرة فى الدولة لذلك فأنا أعيش مشاكله.

فهى لا تختلف كثيرا عن مشاكل التعليم فالقياس هنا مع الفارق الكبير بين العلاقة بين مدرس يقوم بالتلقين إن استطاع وبين تلميذ يحفظ لينجح ثم نسيان كل ما أُجبر على حفظه ولا أقل ما تعلمه لأنه لم يتعلم شيئًا.

وكذلك البحث العلمى فلا تجد باحثًا يدرس للحصول على الماجستير أو الدكتوراه إلا وأبحاثة خاصة به وبرسالته التى تنتهى بعد منحه الدرجة مباشرة ثم تبدأ مرحلة الأبحاث للترقى من درجة باحث التى تقابل درجة مدرس فى الجامعة إلى باحث أول وهى تقابل درجة أستاذ مساعد حتى حصوله على الأستاذية وكل هذه الأبحاث القاعدة فيها هى للترقى فقط وهى أبحاث حبيسة الأدراج والمجلات العلمية التى تنشر بها فلا ترى النور وفى الغالب عند حصول الباحث على الأستاذية يتوقف حتى عن عناء التفكير فى البحث.

البحث العلمى يعانى من غياب للإستراتيجية العامة التى لابد وأن يسير وفق قواعد للوصول لحل مشكلنا الفعلية وكذلك ميزانيته رغم ضآلاتها فهى ميزانيات لمشاريع بحثية محكوم عليها بالحبس داخل المكتبات قبل ميلادها.

وكذلك الباحث لارقيب عليه فهو يعمل بحثًا يراه من وجه نظرة أن له قيمة علمية ولكن ما يُريده المجتمع هو التطبيق ودراسة مشاكله الفعلية التى تواجهه وأن يلمس بيده الحلول لأن مشاكل المجتمع هى المفروض أن تكون وحى وإلهام الباحثين فيه هم المفروض من يبحثون عن الحل.لذلك نحن نريد التطوير وليس التطهير لأننا كلنا مصريون والعقول المعطلة عن العمل ليست مشكلة العقول ولكن مشكلة لسياسات بليدة تكبل وتخنق هذه العقول.

الجريدة الرسمية