حسن أمين الشقطي يكتب: المخدرات.. ما بين إدمان الدولار وإغراق الجنيه
في كل دولة يوجد ثلاثة أنواع من الأنشطة: أنشطة رسمية ومرخصة ومشروعة، حيث يقوم الفرد أو المنتج أو المستثمر بالعمل بتراخيص رسمية ويدفع الضرائب ويعمل في العلن.
وتوجد أيضًا أنشطة غير رسمية وغير مرخصة ولكنها مشروعة، مثل المنتج أو المصنع الذي ينشئ مصنعه "تحت بير السلم" أو في الجبال أو ما بين المدن، ولكنه ينتج سلعًا مشروعة ولا يوجد ضرر منها، ولكنه لا يرغب في العمل بتراخيص رسمية ولا يرغب في سداد ضرائب ولا الالتزام بقواعد وقوانين الدولة.
أما الأنشطة الثالثة، فهى الأنشطة غير المرخصة وغير المشروعة، وهى أنشطة أو تجارة سوداء يمنعها ويجرمها القانون، مثل تجارة المخدرات والسلاح والآثار والأعضاء البشرية أو تجارة العملة، باختصار هى أنشطة ممنوعة وغير مقبول تسجيلها أو ترخيصها.
ويصل حجم الناتج في الاقتصاد الرسمي نحو 2500 مليار جنيه، في مقابل اقتصاد غير رسمي تقدر قيمته بخمسة أضعاف الناتج الرسمي، أي بنحو 1.3 تريليون جنيه تقريبًا سنويًا، منها نحو 1000 مليار جنيه هى ناتج الاقتصاد غير الرسمي المشروع، ونحو 300 مليار جنيه حجم الناتج للاقتصاد غير الرسمي الأسود أو غير المشروع.
وتشير تقارير معينة إلى أن حجم التجارة والتبادل بالاقتصاد غير الرسمي بمصر تصل إلى 3000 مليار جنيه سنويًا.
المشكلة الكبرى بمصر أن الاقتصاد غير الرسمي "الأسود أو المجرم" هو اقتصاد يرتبط في معظم عملياته بالسوق الأجنبي، سواء بالتصدير أو الاستيراد، فالمخدرات يستورد الجزء الأهم منها من الخارج وبالعملات الصعبة.
فإذا علمنا أن حجم تجارة المخدرات في عام 2015 يقدر بنحو 50 مليار جنيه، أي بنحو 5 مليارات دولار تقريبًا، ونضع بجانبها قيمة مثيلة لتجارة الآثار، وقيمة تعادل 5 مليارات دولار لتجارة السلاح ونحو 5 مليارات دولار أخرى للتجارات الأخرى السوداء، أي إننا نتحدث عن نحو 20 مليار دولار تستنزف في اقتصاد غير رسمي وغير مشروع، وأيضًا اقتصاد ضار بالدولة.
السؤال الأهم: من أين يحصل هؤلاء التجار على الدولار؟ فتاجر المخدرات يشتري المخدرات بالدولار ويبيعها بالجنيه المصري، بالطبع فإنه يشتري الدولار من السوق السوداء وبأي سعر مهما ارتفع، لأن مشتري المخدرات لا يفاصل ولا يهمه سعر مرتفع أم منخفض، وبالتالي تاجر المخدرات يُحمل المدمن أو المشتري فرق استبدال العملة مهما كانت قيمتها، بل إن الجديد في المخدرات هو انتشار الأشكال التخليقية أو المخدرات العقاقيرية والتي جميعها مستوردة بالدولار.
ولنعلم أن سوق المخدرات لا يقاس بالقيمة ولكن يقاس بالكمية، فهناك كمية مخدرات مطلوبة وسوف يتم شراؤها أيا كان سعرها أو سعر الدولار، فعندما كان سعر صرف الدولار هو 10 جنيهات، كان قيمة سوق المخدرات هى 50 مليار جنيه، ولكن بسعر الدولار اليوم، فإن قيمة سوق المخدرات تعادل 100 مليار جنيه، وهى أرقام تدلل على مشكلة كبرى تستحق الدراسة.
أي إن جزء مهم من الطلب على السوق السوداء هو لاستيفاء الطلب على منتجات غير مشروعة ومربحة للغاية، وقد تكون سببًا رئيسيًا في ارتفاع سعر الدولار بالسوق السوداء.
المُصدر المصري رغم أنه يربح، إلا أنه يضخ عملات صعبة في الاقتصاد الوطني، أما تاجر المخدرات والسلاح، فإنه يطلب دولارًا لشراء منتجات تباع بالجنيه المصري، ويستمر في استنزاف الاحتياطيات الأجنبية النادرة، لذلك فإن السوق السوداء للدولار ستظل قائمة طالما هناك تجارة مجرمة كالمخدرات.
وحجم الطلب الظاهري على الدولار لاستيراد المنتجات الغذائية والضرورية ليس هو الطلب الحقيقي الذي يرفع سعر الدولار، وانما يوجد طلب خفي على الدولار، هو لاستيراد الممنوعات التي لن يتجرأ صاحبها على الذهاب لأي بنك للحصول على دولار.
إن محاربة التجارات الممنوعة لم تعد بهدف حماية الشباب من إدمان المخدرات أو من امتلاك السلاح فقط، وإنما الآن لحماية مقدرات واحتياطيات غالية ونادرة بالاقتصاد الوطني الآن وهى الدولار، في اعتقادي نحتاج لتجريم أشد قسوة لكل من يتاجر أو يجلب المخدرات أو السلاح.
وأستطيع القول بإن التعويم سيفقد جزءًا كبيرًا من أهميته طالما يوجد طلب على الدولار من أجل المخدرات والسلاح والذي يبلغ ما بين 10-20 مليار دولار، وهى قيمة تفوق الكميات التي يستطيع البنك المركزي تدبيرها، وبالتالي فإنها تُجمع من السوق السوداء بطرق غير مشروعه، وتتسبب في ارتفاع هائل في سعر الدولار، وأوصى بمراجعة وتتبع الكميات الكبيرة التي تجمع من العملات الصعبة "الدولار"، أين تذهب ؟ ومن يشتريها بسعر مرتفع على الدوام ؟
المخدرات الآن ليست إدمان للعقاقير والأعشاب، ولكنها إدمان للدولار، وهى لن تُمكن الجنيه من التعويم مطلقًا، ولكنها ستتسبب في إغراقه إن استمرت على حالها.
الخبير الاقتصادي ووكيل كلية التجارة بأسوان
Dr.hasanamin@yahoo.com