لا أراكم الله مكروها في «ثقافة لديكم».. 2017 لا تحمل الخير للكتاب والبعثات.. «المصري»: المواهب الأدبية الشابة تموت ويبقى المشاهير.. «الحاج علي»: مصر تسجل أعلى سعر للكتاب
مرت الأشهر الـ21 الماضية لكنها تركت أرقاما مخيفة لخسائر قطاع النشر والثقافة نتيجة تعويم الجنيه المصري وارتفاع سعر الدولار، ولكن يؤمن القائمون على العمل الثقافي والنشر أن الخسائر والأزمات الحقيقية لم تبدأ بعد، وإنما تنتظرهم على أبواب عام 2017، وخصوصًا مع حلول معرض القاهرة الدولي للكتاب المقرر إقامته في شهر يناير المقبل.
للأسف لا تبشر مقدمات هذا العرس الثقافي بالخير، حيث تزيد سيناريوهات الخسارة من حدتها يومًا بعد يوم، ولا تستطيع دور النشر ولا وزارة الثقافة إصدار الجديد من الكتب بسبب التكلفة الباهظة التي سيتحملها القارئ في النهاية، ولا تقدر من جهة أخرى طرح بدائل وطرق أكثر أمانًا لتحصين نفسها من نتائج التعويم.
«الناشر عادل المصري - رئيس اتحاد الناشرين المصريين» علق على سيناريو أزمات صناعة النشر في 2017، قائلا: «إن ارتفاع سعر الدولار يؤثر بشكل مباشر في النشر بسبب اعتماد الصناعة على المواد الخام المستوردة من الخارج كالورق والأحبار بجانب آلات الطباعة».
وأوضح أنه في حالة استمرار ارتفاع سعر الدولار سيتسبب ذلك في تخفيض عدد إصدارات دور النشر السنوية، حيث تنتاب الدور حاليًا حالة من الحذر في نشر كتب بعينها لتنأى بنفسها عن المغامرة، وسيتسبب ذلك في ضعف فرص الكتاب الشباب في البزوغ لأن النشر سيقتصر فقط على أسماء الكُتاب الكبار والمشاهير القادرين على الترويج لأعمالهم، وبهذا ستكون الخسائر فادحة ليس فقط على المستوى المادي، وإنما على مستوى التعددية والتنوع، فضلا عن وأد العديد من المواهب الشابة.
«المصري» أشار إلى التراجع الكبير في عدد إصدارات دور النشر سنويا، مؤكدًا أن العدد تراجع من 5 آلاف نسخة في الطبعة الواحدة ليستقر عند 300 نسخة، كما أن هناك عددًا غير قليل من دور النشر قررت إيقاف نشاطها ووصل عددهم لـ60 دارًا، ولم تجدد اشتراكاتها كأعضاء باتحاد الناشرين المصريين ما يعني عدم مشاركتهم في معرض الكتاب باعتباره أهم سوق ثقافية تتمتع بالرواج لدور النشر، ليعد ذلك منحى خطيرا يدل على ما آلت إليه الأمور على ضرورة البحث عن سبل للخروج من النفق المظلم، إذن على وزارة الثقافة المصرية دور محوري في خلق طريق سالم وآمن للنشر وأهله للعبور من الأزمة الاقتصادية بسلام، فما هي تلك السبل التي تستعد قطاعات الوزارة لسلكها، يجيب «الدكتـور هيثم الحاج على - رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب» قائلًا: إن الأزمة الحقيقية التي ستواجهها الثقافة المصرية بشكل عام ووزارة الثقافة بشكل خاص تتلخص في كل الصناعات الثقافية، ويأتى على رأس هذه الصناعات صناعة النشر والطباعة، والتي تأثرت بشكل كبير عقب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة خلال الفترة الماضية.
وأوضح أن الكتاب يعاني في الوقت الحالي من التراجع والكساد اللذين يهددان بقاءه كأهم رافد من الروافد الثقافية، فمع تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار انخفض سعر الأول بشكل كبير، فيما ارتفع الدولار لأعلى مستوياته، وارتفعت معه كل عناصر صناعة النشر في مصر، إذ يتم استيراد الخامات الرئيسية من الخارج كاملة بالدولار، بالإضافة إلى ماكينات الطباعة، فضلا عن قطع غيارها، حتى صارت السوق المصرية تضم أعلى سعر للكتاب في تاريخها.
وأكد الحاج علي أن هذه الأزمة ستتصدر قائمة أزمات الثقافة خلال العام الجديد إذا ما استمر الوضع كما هو عليه الآن، شريطة البدء في البحث والتنقيب عن حلول لهذه الأزمة لإنقاذ واحدة من أهم الصناعات الثقافية.
وطرح الحاج على عدة حلول تضعها الثقافة في أجندتها للتصدي للأزمة، قائلا: «حان الوقت للتحرك نحو النشر الإلكتروني وتحديد أطر عامة للسير على هذا الطريق المهم والمستقبلي، ولا يعنى ذلك التخلي عن الكتاب المطبوع وإنما يكون هناك موازنة بين النوعين، كتطور طبيعي في هذه الصناعة».
وأوضح أن نجاح هذا المنحى يتطلب شروطًا جدية وواضحة، أولها أن يتم إنشاء مظلة نشر إلكتروني واحدة تجمع تحتها كل الناشرين المصريين وأيضًا العرب، داخل نظام واحد يضمن عمل الجميع في نفس السرب مع وضع رؤية وسياسة عامة للنشر الإلكتروني، على أن تتبع وزارة الثقافة التي بدورها قيادة هذه الدفة، وتشمل السياسة العامة للنشر تحديد العناوين التي ستنشر بشكلها الإلكتروني وما سيتم طباعته ورقيا، فضلا عما لا يتم نشره نهائيا، وفق لجان تستطيع تقييم هذه الأعمال.
وعن تخوف بعض الناشرين من عملية النشر الإلكتروني وإمكانية أن يطغى على الكتاب المطبوع، نبه الحاج على إلى أن الناشرين الذين يدينون بالولاء الكامل للكتاب المطبوع، يجب أن يكون لديهم نظرة واقعية ومستقبلية لما ستؤول إليه صناعة النشر والطباعة خلال الفترة المقبلة، مؤكدًا أنه على جميع العاملين بقطاع النشر فهم أن الكتاب الإلكتروني سيكون مفيدًا اقتصاديًا ومربحًا لهم، إذا ما تم وضع أسس وضوابط لعملية نشره، فلن تكون تكلفته المادية كنظيره المطبوع.
ما سبق أكده الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، حيث طالب الدولة بالتفكير بشكل جدي وسريع لوضع خطط واضحة المعالم لإنقاذ الوضع الحرج الذي يمر به الكتاب كي يبقى سلاحًا مهمًا لمواجهة الإرهاب، مشيرًا إلى أن الحل يكمن في أن تنتبه الدولة لخطورة هذا السلاح وما يلعبه من دور محوري في التصدي للأفكار المتطرفة التي هي بالأساس تلقى طريقها للانتشار عبر الكتب.
وأضاف عصفور: «الكتاب لابد أن يحارب بالكتاب مثله»، مؤكدًا أنه على المثقفين في الوقت الحالي التلويح لكل مؤسسات الدولة ولفت نظرهم، لمضمون القوى الناعمة ومدى تأثيرها في المجتمع والفرد، ووضعها في حجمها الطبيعي كونها حائط الصد الأول في كل الحروب والمكائد التي تحاك بمصر.
ليس قطاع النشر وحده من سيتأثر بتحرير الصرف خلال العام المقبل، وإنما تمتد الأزمة لتغلق أبواب المطارات أمام المثقفين والفنانين لتجعلهم بمعزل عن العالم الخارجي.
«الدكتورة فينوس فؤاد - رئيس الإدارة المركزية للشئون الأدبية والمسابقات»، أوضحت أن أكثر القطاعات التي ستتأثر بأزمة هبوط سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، بعد قطاع النشر، تتمثل في سفر الفرق المصرية إلى الخارج واستضافة فرق أجنبية إلى مصر، سواء على نطاق البعثات التعليمية الثقافية، أو مشاركة الفرق الموسيقية في أي فعاليات خارجية، وسينعكس هذا في حجز تذاكر الطيران، وخفض مصروف الجيب الذي يتلقاه أي مصري مسافر إلى الخارج مع وزارة الثقافة، وتصرفه الوزارة بالدولار، إضافة إلى أزمة كبيرة تتمثل في شحن الآلات الموسيقية، واستيراد أي آلات وأدوات عرض مسرحية من الخارج، لذا ستضطر الوزارة إلى تقليل بعثاتها ومشاركتها الخارجية في المعارض والمهرجانات الدولية، بحسب الدكتورة فينوس.
وأكدت رئيس الإدارة المركزية للشئون الأدبية والمسابقات أن الحلول المثلى لتلك الأزمة هي أن تبدأ الوزارة وقطاعاتها في الاعتماد على نفسها من خلال تصنيع مستلزمات العرض المسرحي وأدواته في مصر صناعة محلية، وهو الأمر الذي تطبقه الفرق على نفسها لضيق اليد.