ارحموا «عروس » الإسكندرية و« الحقوها »!
يعرف المجتمع المصري نموذج الأخ الكبير، الذي يتعرض مستقبله لهزات عنيفة لقيامه برعاية إخوته بعد تحمله مسئوليتهم فجأة لظروف غياب الأب، ويعرف قبله نموذج الأم التي تترمل مبكرًا وترفض تعرض أولادها لاختبار"زوج الام" فتحتضنهم وتكون أم وأب معًا، ويمر العمر تتذكر فيه أولادها ومستقبلهم وتنسى نفسها تمامًا.. وفجأة تقدم لنا الإسكندرية نموذجًا ثالثًا.. رأيناه أيضًا من قبل لكن هذه المرة ينفجر بالمرارة، فيكشف عورات كثيرة وتحولات أكثر في أخلاقيات بعض المصريين لا نعرف كيف بلغت ما بلغته من قسوة..
وهذه قصة إبنة لا نعرف أن نقول إنها أضاعت عمرها أم كسبته وهى ترعى أبويها وربما قدمت لأسرتها و لعائلتها تضحيات أخرى حتى انتهى المطاف بها أن رحل من كانت ترعاهم ولكن رحل معهما عمرها حتى أتمت عقدها السادس، وبدأت تراجع وتسترجع سنواتها وعمرها وكيف تسرب من بين يديها وراحت التساؤلات القاسية تضرب رأسها بأثر رجعي فتوسوس لها في الوقت الضائع بأنها كان يمكنها أن توازن بين واجباتها ومتطلباتها، وأنها كان يمكنها أن تؤدي الواجب دون أن تنسى نفسها.. ومع تزايد الضغوط ومنها فيما يبدو إحالتها إلى المعاش حتى لو كان معاشها كبيرًا..
لكن يبدو أيضًا أن الضغوط النفسية كانت عاتية حتى طاردها حلم عمرها وحلم كل "حواء" بحكم خلقة الإله العظيم، فقررت أن تعيش حلم العمر بالمخالفة للواقع بل ورغمًا عن الواقع فترتدي فستان زفاف وتذهب لتتعاقد مع إحدى قاعات الأفراح وقررت أن تقلد ما رأته واستقر عندها في عقلها الباطن فمرت في الأماكن التي يمر منها كل عروسين في الإسكندرية في ليلة الزفاف أو عقد القران، وهناك قام بعضهم بمضايقتها وزاد عددهم وتحول إلى تظاهرة سخيفة في قلب ميدان محطة الرمل، وأحدهم أوهمها أنه يمكنه أن يشاركها اللعبة (الحلم) ويكون زوجها دون أي مراعاة للبعد النفسي في الموضوع وبلغ الزحام حد الشكوى منها لمديرية الأمن مع بلاغ من أقاربها، فتم القبض عليها !
تحفظوا عليها في قسم الشرطة ووافق أقاربها على التعهد بعدم تكرار الأمر ثم عادوا ورفضوا وقيل إنها على خلاف معهم وأنهم يريدون الهيمنة على قرارها ومعيشتها فتم إيداعها إحدى دور المسنين بعد تدخل كريم من جمعية "أمل مصر"!
الغريزة كانت سببًا فيما جرى ويذكرنا المشهد بقصة البريطاني بوب همفريز والفرنسية بيرني بلويت وقد تحولت قصتهما إلى إسطورة كبيرة حيث كانا مرتبطين ببعضهما منذ الطفولة، لكن الاتصالات انقطعت بينهما بعد نشوب الحرب العالمية الثانية حيث استدعى هو عام 43 إلى وحدته العسكرية، وأرسل لها من هناك عشرات الخطابات إلا أن أسرتها منعتها من الاتصال به.. أما هو فقد أساء الظن بها وهى اعتقدت فيما بعد أنه لم يعد يريدها فتزوجت وهو أيضًا ولكن بعد 70 عامًا كاملة تلتقي ابنتها به، وكانت تعرف القصة فأبلغت أمها التي أصبحت أرملة وهو أصبح أرملًا فتزوجا و قررا أن يستكملا ما بقي من عمرهما معًا وهو في التاسعة والثمانين وهى في السابعة والثمانين !
وليس الأمر بعيدًا عن مجتمعاتنا حيث شهدت الحبيبة تونس واقعة شبيهة حيث أشرفت وزيرة المرأة التونسية السيدة سهام بادي على عقد قران لمسنين تجاوزا الثمانين وكانت القصة في عام 2013 أيضًا !
باختصار يمكن للإنسان أن يحب ويفكر في الحياة والسعادة ويبحث عنهما متى أراد بغض النظر عن عمره وما فات منه وبالتالي فعلينا منح الأمل لصاحبة واقعة الإسكندرية ولا ينبغي معاملتها بقسوة لا تستحقها، ويجب أن تتوقف السخرية منها والرغبة في الإثارة خصوصًا مع من يقومون بمتابعة القصة في الصحف ووسائل الإعلام وأن يعاملونها كإنسانه لها الحق في الحياة، والأهم حقها في "الحلم" وهى أبسط الحقوق!
الأمر بالطبع لا يرضي أهل الإسكندرية المحترمين، وربما لو كان القرار لهم لتدخلوا بخلاف ما جرى ولكن الأمر و بكامله نحيله للوزيرة الإنسانة الدكتورة "غادة والي" وقد تدخلت في أمور شبيهة وربما تعالج الأمر برحمة أكبر وبأخلاقيات نعرفها بها وبأفضل مما هو عليه علها تحمي إنسانة لم تؤذ احدًا-بل العكس هو الصحيح-وتنقذها من تداعيات لا نريدها وأطماع ظالمة ومضاعفات مأساوية سنتحمل وقتها.. ذنبها جميعًا!
اللهم بلغت..