2016.. عام الدب الروسي.. «بوتين» يخمد احتجاجات شعبه.. يعزز وجوده العسكري في سوريا.. ينتصر سياسيا على الغرب بفوز «ترامب».. والأزمات الاقتصادية تهدد عرشه في 2017
بدت روسيا خلال عام 2016 بأنها دولة قوية، كما صور رئيسها بوتين نفسه بأنه الرجل الأقوى على الساحة الدولية، لكن المعطيات على الأرض تتحدث عن واقع آخر، على ما يرى الخبير في الشئون الروسية إنغو مانتويفل في تعليقه، للوهلة الأولى يبدو عام 2016 وكأنه عام ناجح بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إذ إن الحاكم المستبد في الكرملين يعتبر مستفيدا من كل التطورات المهمة التي سجلت خلال هذا العام بداية من سوريا وتركيا، مرورا بالـ"بركسيت" وأزمة اللاجئين، وصولا إلى ترامب، لكن لا يجدر إصدار مثل هذه الأحكام بشكل متسرع، فدور موسكو الجديد على الصعيد الدولي وقوة روسيا، أمران مبالغ فيهما بشكل كبير.
قوة روسيا من ضعف الغرب
روسيا بدت في سوريا عام 2016 وكأنها قوية فقط لأن الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة لم يبذل خلال السنوات الماضية مجهودا ذا أهمية تذكر، ذلك أن الرئيس الأمريكي أوباما وعلى خلفية التدخلات العسكرية (الأمريكية) الفاشلة في أفغانستان والعراق وليبيا اختار التحفظ عسكريا في سوريا.
وبتواني أوباما عن التدخل عسكريا ضد الأسد، نشأ فراغ سلطوي في منطقة الصراع الشرق أوسطية، استغلها بوتين لتحقيق أهدافه. فمن خلال عدد محدود من العمليات العسكرية الجوية وربما أيضا من خلال قوات برية خاصة ساعدت روسيا خلال عامي 2015 و2016 إلى جانب إيران على دعم نظام الأسد واستعادة دمشق السيطرة على مناطق مهمة، ولكن أن تكون روسيا فعلا قوية عسكريا بشكل يمكنها من خوض حرب ضد مقاتلي تنظيم "داعش"، فهو أمر مشكوك فيه.
كما أن روسيا لا تمتلك تلك القوة الاقتصادية التي تُمكنها من إعادة بناء سوريا الديكتاتور الأسد التي دمرتها الحرب، فالأعمال الوحشية ضد المدنيين إنما تحجب النظر عن انعدام وجود إستراتيجية روسية بعيدة المدى في سوريا.
وكما في شرق أوكرانيا، فإن الكرملين إنما قادر فقط على بث الحرب والعنف، ومن أجل إرساء نظام مستقر وذي توجه مستقبلي في المناطق التي أعلنتها "مناطق نفوذ" تابعة لها، فإن روسيا تفتقد للقوة السياسية والاقتصادية.
روسيا نفسها بلد ضعيف اقتصاديا
الأكيد أنه يمكن اعتبار الكرملين مستفيدا من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بركسيت)، لأن ذلك يشكك في شكل كبير في مستقبل الاتحاد الأوروبي.
وكذلك اختيار دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية إنما يصب في مصلحة الرئيس الروسي فلادمير بوتين، فلو فازت عدوته اللدودة هيلاري كلينتون بالانتخابات الرئاسية، لشكل ذلك تحد أكبر بكثير بالنسبة لروسيا، ولكن يبقى السؤال مطروحا: إلى أي مدى سيعود البركسيت والرئيس الأمريكي ترامب بالمنفعة على السياسة الروسية في عام 2017؟
ومع كل مساعي الكرملين اللاهثة للعب دور "القوى" على الساحة الدولية، لا يجدر تناسي أن روسيا في حد ذاتها دولة ضعيفة اقتصاديا، فالتراجع الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال السنوات الماضية لم يتحسن حتى في عام 2016، كما أن الدخل الفردي الحقيقي في تراجع والهوة بين الفقير والغني في اتساع مستمر.
والاقتصاد الروسي في تبعية لصادرات المواد الأولية، ومن بينها النفط الذي لا يزال سعره منخفضا، كما يفتقد قطاع الصناعات لطاقات التجديد ولرأس المال – في الوقت الذي يتم فيه – كما كان الأمر دائما – نقل رءوس أموال ضخمة إلى خارج البلاد.
وكل محاولات التحديث التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية كان مآلها الفشل، كما في عام 2017 من المستبعد اعتماد أي إصلاحات اقتصادية، ذلك أن الكرملين يريد تجنب أي اضطرابات إلى حين الانتخابات الرئاسية في مارس عام 2018، وبالتالي، فسيتواصل الركود الاقتصادي لا بل قد يشهد الوضع الاقتصادي تراجعا إضافيا، إلا في حال ارتفع سعر النفط بشكل غير متوقع إلى مستويات قياسية.
الإيهام بالسيطرة على الوضع
على الصعيد السياسي، فإن الكرملين يسيطر على البلاد بشكل سطحي، أما المعارضون القليلون ومنظمات المجتمع المدني أو وسائل الإعلام الحرة فقد همشهم القمع.
كما يبدو أن الشعب الروسي لا يريد الاحتجاجات، وقد أظهرت نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية الروسية في سبتمبر خاصة في المدن الكبيرة اللامبالاة السياسية المنتشرة، ولكن وفي حال حدوث صدع اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي مستقبلا، فقد يفقد نظام حكم بوتين التأييد دفعة واحدة، خاصة أن الثقة في الجهاز الإداري الروسي تكاد تكون منعدمة بسبب تفشي الفساد وسوء الإدراة.
روسيا بوتين لن تدخل بأي حال من الأحوال عام 2017 وهي قوية بشكل خاص، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وتركيا واليابان والصين والبرازيل وغيرها من الدول، فإن روسيا تقف أيضا أمام تحديات جبارة في عام 2017، وبالتالي ليست هناك مدعاة لأي مشاعر نصر التي قد تخالج وجدان الكرملين.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل