«زي النهارده».. توفيق الحكيم يستقبل العام الجديد بـ«دقات الساعة»
في مثل هذا اليوم من عام 1948، كتب الروائي توفيق الحكيم مقالا بمجلة آخر ساعة، يجرى فيه حوارا بين عام يرحل وآخر ينتظر دقات الساعة.
وقال الحكيم: «العام القديم: أيتها الساعة لماذا تسرعين.. لم يبق في حياتى إلا قليلا.. تمهلى أن عقربك الكبير لم يعد يسير بخطاه المتزنة.. إنه يقفز قفزا مخيفا.. أراه عقربا متعجلا يجر جثمانى الفانى إلى نهايته المحتومة.. رحمة بى بعض التأنى.. ما هكذا يركضون بجنازات الموتى للمقر الأخير، العام الجديد: أيتها الساعة لماذا تبطئين.. ألا تعلمين أنه قد جاء عهد ميلادى.. ما لعقربك الكبير يمشى مترنحا الم تخبره بالحدث العظيم الذي تنتظره الدنيا».
وأضاف: «العام القديم: لا تكن هكذا قاسيا أمامك من العمر مدى.. وليس أمامى من اللحظات إلا صدى، العام الجديد: فيم التعلق بالوهم.. وبماذا تغنيك لحظة.. إنك ميت ميت.. لاأى يجب أن أولد.. فعلام البكاء؟، العام القديم: لست أبكى.. ليس أقسى من اللحظات الأخيرة في حياة.. حياة ليست شيئا جميلا وليست شيئا قبيحا.. إنك عما قليل ستراها.. وتغادرها يوما كما أغادرها الآن. العام الجديد: هل تركت لى ميراثا؟، العام القديم: بالطبع يا بنى.. هنالك حوادث غرست في حياتى قد تثمر في حياتك، العام الجديد: إنك إذن تعطينى شيئا أنا الذي كنت أكرهك».
واستطرد: «العام القديم: تكرهنى لماذا؟ سألتك قليلا من الرحمة بى.. إنى ذاهب وأنت آت.. لكن ما أحب أن تعلمه هو أن حياتى لم تكن عبثا، وإنى مهدت لك الطريق وذللت لك بعض الصعاب، وألقيت بين يديك خلاصة تجاربى.. وإنى ما كنت إلا بعضك ممتدا في الماضى، وإنك ما تكون إلا بعضي ممتدا في المستقبل، العام الجديد: حسبتك تريد أن تؤخر مجيئى، ظننتك تتشبث وتجذب العقرب إلى الوراء.. ألا ترى هذا الحشد من الراقصين والراقصات يترقبون انطفاء روحك بانطفاء الأنوار.. وعند ذلك الصقت الشفاه بالشفاه وقد تربعت فوق عرش الزمن».
وذكر أيضًا: «العالم القديم: أغفر لك هذه الأنانية أكنت تقول إن قبلات الناس لم تكن لانطفاء روحى.. لكنها زهرات التقدير تنثر على جثمانى.. إنه عرفان الجميل.. فأنا الذي صنعت لهذه الشفاه حياتها واسلمتها صحيحة إليك بعد فنائى، العالم الجديد.. ماهذا الهذيان لو استطاعت أذنك أن تسمع هتاف الناس لعلمت أن الفرح والمرح هو من أجلى، العالم القديم: إنى أموت.. سامحنى إذا كنت ظلمتك أو جرحتك أنه الأمل لا يخرج إلا مع آخر أنفاسى.. ومع ذلك فهو يأبى أيضا أن يخرج معى إلى الفناء، إنه باقٍ معك».
وتابع: «العام الجديد: تم بسلام يا أبتاه ما أنا إلا منك.. الآن أطفئ النور والتقت الشفاه.. عجبا إنها روحك تلتقى بروحى في ومضة، وأشعر بشيء من روحك قد حل بكياني والناس يرقصون ويمرحون من أجلنا جميعا».