رئيس التحرير
عصام كامل

المشكلة في الفساد أم في «جنينة» ؟!


قبل أن تقرأ السطور التالية نقول إنها لا علاقة لها بشكل مباشر بالمستشار هشام جنينة إنما لها علاقة بمن يتاجرون به ويتخذونه منصة لقصف كل شيء..


وبالفعل كان الله في عونهم.. فالمأزق كبير كبير.. فقد أبطل الرئيس ومعه رجال الرقابة الإدارية كل المزاعم الممكنة أن نظام مبارك لم يزل موجودًا وأن رجاله كما هم وبالتالي فالفساد كما هو.. رغم أنهم صمدوا فترة طويلة كان إعلامهم وصوتهم على شبكات التواصل أعلى من غيره ممن يقوم بتغطية جهود الرقابة الإدارية لكن استطاعت الهيئة في الأخير أن تنال ما تستحقه ويستحقه أبطالها من اهتمام وفرضت قضاياها على الجميع حتى بات من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- إنكار أو إخفاء ضرباتها المتتالية والموجعة ضد أركان الفساد المتفشي في أغلب قطاعات الجهاز الإداري للدولة ينخر فيها ويضعفها ويضعف مناعة الدولة نفسها ولذلك كان لا مفر -وهذه طبيعة الأمور- من مواجهته بكل قوة وحسم وبإرادة حديدية!

الآن.. فسدت الحجة وبطل مفعولها ولم تعد صالحة للاستخدام فهل يمكنهم -كلهم أو أغلبهم أو بعضهم- أن يقولوا كنا مخطئين وعلينا حتى لو كنا نختلف مع الدولة في عدد من السياسات لكنه نظام شريف يحارب الفساد وهو ما كنا نريده ويجب دعمه ؟ أو دعكم من ذلك.. هل فكروا -كلهم أو أغلبهم أو بعضهم- أن يقرروا دعم خطوات مكافحة الفساد وكفى ثم يعودوا للمعارضة كما كانوا؟

إن فعلوا ذلك سيكونون هدفًا للبعض منهم جاهزون باتهامات التشويه عن "المنبطحين" و"المتراجعين" و"من باعوا القضية" ولذلك ليس أمامهم مثل كل مرة إلا ترك الواقع بل الالتفاف حوله ثم البحث عن مطاعن يطعنون بها أي إجراء أو أي عمل إيجابي.. وفي ضربات الرقابة الإدارية المتكررة والدورية والكبيرة كانت ضالتهم في فتح ملف المستشار هشام جنينة من جديد وكيف أنه ظلم طالما أن حجم الفساد بهذا الحجم!

قبل الرد عليهم في مسألة ظلم المستشار جنينة علينا أن نذكرهم ببعض الحقائق -والذكرى تنفع المؤمنين- ومنها أن نشاط الرقابة الإدارية -بالمناسبة- كما هو لم يتغير منذ تولي الرئيس السيسي المسئولية.. فهي نفسها الهيئة التي ألقت القبض على 3 رؤساء أحياء في القاهرة الكبرى وفي توقيت واحد تقريبًا ومعهم مسئولون كبار جدًا في وزارات الشباب والرياضة والإسكان والآثار والداخلية ومعهم مهندسو تنظيم في أحياء المنتزة وطرة ومعهم وكيل بالجهاز المركزي للمحاسبات نفسه وقبلهم جميعًا وزير( بحاله وشحمه ولحمه) ومعه مستشار وزير وفي مكتبه وأغلبهم متلبسون بالصوت والصورة وكلهم في ظل وجود المستشار جنينة في منصبه.. ما تغير هو الاهتمام الإعلامي فقط..

ثانيا: زعم البعض أن ما ضبطته الهيئة في 6 أشهر يؤكد كلام جنينة، فبصراحة هذا المنطق يدهشنا جدًا.. فالقضايا الكبرى في آخر 6 أشهر من قضية المسئول الكبير في البترول والإجمالي 18 مليون مع قضية موظف مجلس الدولة 150 مليون (وعلى فرض أن كلها أموال رشاوى) مع قضية مأمور الضرائب وقدرها رشوة بـ 100 ألف جنيه مع فساد هيئة التنمية الزراعية وقدرها 200 ألف مع وكيل خبراء وزارة العدل ومقدارها 350 ألف مع قضية نقل الأعضاء، فكلها على بعضها لا تقترب من الـــ 200 مليون أي واحد على خمسة من المليار! فما بالنا وأن نقل الأعضاء لا رشوة فيها وأن الأنباء تتسرب عن أنشطة أخرى لموظف مجلس الدولة وأن المبلغ المضبوط ليس كله أو حتى أغلبه من أموال الرشاوى؟!

"جنينة" كان قد تحدث عن 600 مليار ولم يقل في البداية -في البداية- أنه يقصد حجم الفساد في سنوات عديدة سابقة ولم يقل -في البداية- إنه يقصد حاصل تراكم سنوات عديدة ولم يقل إنه يحسب -من بين ما يحسب- حجم الخسائر المحتملة من بعض القرارات وتكاليف الفرص البديلة لبعض القرارات وإنه يدخلها في حسابات الفساد !!

والأخطر على الإطلاق هو إيحاؤه على غير الحقيقة أن الفساد كما هو لا أحد يحاربه وهو ما يعني الطعن في شرعية ثورة 30 يونيو كلها وليس النظام الحالي فقط !

على كل حال نكرر.. فهذا المقال لم يكن موجهًا على الإطلاق ضد المستشار جنينة إنما الكلام عنه جاء في سياق الرد على من يوظفونه في معركتهم.. وهم يعرفون -وسيادته يعرف- أن عددًا من القضايا طالت سيادته قبل قضية "الأخبار الكاذبة" الأخيرة وقد خسرها جميعها تقريبًا وكلها كانت وهو في منصبه وأغلبها كان في سب وقذف قضاة ووزيرا عدل سابقين بل قذف القضاء ذاته وبما يؤكد أن هناك مشكلة في تعامل المستشار جنينة مع الآخرين سببها الأساسي انفعاله الشخصي وعدم ضبط ألفاظه وما يصدر عنه ولكن تبقى القضية الأساسية في كل ذلك وهي مواجهة الفساد وهنا نقول..

من كان ضد الفساد فهو يواجه اليوم وبكل حسم وبشكل لم يسبق له مثيل.. ومن يريد أن يواجه الفساد الذي يواجهه ويحدده المستشار جنينة وحده.. وحده فقط فهذا شأنه وله ما يريد.. لكن المعركة ضد فساد كبير وخطير ممتدة جذوره لأربعين عامًا مستمرة ولن توقف شاء من شاء وأبى من أبى !
الجريدة الرسمية