رئيس التحرير
عصام كامل

استغلال النفوذ والرشوة والخلط بينهم


يوجد في العديد من الدول خروقات في المجال الإداري، حيث لا تكاد دولة من الدول تخلو من تجاوزات الموظفين العموميين في مجال الوظيفة العامة، من رشوة وكسب غير مشروع وغيرها من صنوف الاعتداء على الوظيفة العامة والمال العام، وقد كانت هناك مساعٍ حثيثة على نطاق دولي وعلى مستوى الأمم المتحدة للعمل على الحد من تلك المظاهر للفساد المالي والإداري.


ومن ضمن تلك الاعتداءات على الوظيفة العامة جريمة استغلال النفوذ الوظيفي، ويعرف استغلال النفوذ بأنه الاستفادة من السلطة أو قدرة التأثير بصورة غير قانونية أو غير مشروعة أو السعي لدى السلطات العامة، لتحقيق منافع أو الوصول إلى غايات لا تقع في دائرة أعمال وظيفة صاحب النفوذ.

ويمكن القول إن استغلال النفوذ هو اتجار الجاني بنفوذه الحقيقي أو المزعوم، بأخذه أو طلبه أو قبوله مقابل أو فائدة ما من صاحب المصلحة، نظير حصوله أو محاولة حصوله على ميزة معينة من السلطة العامة لفائدة الأخير باستخدام هذا النفوذ، وهنا لا تكون المصلحة المطلوبة من الموظف داخلة ضمن اختصاصه الوظيفي، وإنما يقوم بالتأثير على موظف آخر للقيام بالمصلحة المطلوبة، وهذه الحالة الأخيرة لا يشترط فيها دائمًا أن يكون مستغل النفوذ موظفًا، وإنما قد يكون شخصًا من عامة الناس له نفوذ على أحد الموظفين العامين يستمده من صلة قرابة أو صداقة أو غيرها من العلاقات، يقوم باستغلال ذلك النفوذ لغرض تحقيق مصلحة لشخص ثالث، كالقيام بإنجاز معاملة أو تعطيل إنجازها وذلك بالتأثير على الموظف العام لإنجاز تلك المهمة.

إن علة تجريم استغلال النفوذ هى الإساءة إلى الثقة في الوظيفة العامة، سواء كان هذا النفوذ مستمدًا من ذات الوظيفة العامة، أو من شخص له نفوذ على موظف عام، ويضاف إلى ذلك أن هذه العلة تكون متحققة سواء كان النفوذ حقيقيًا أم مزعومًا، أو إذا كان الفاعل موظفًا عامًا واستغل نفوذه المستمد من مركزه الوظيفي، فإنه يكون بذلك قد استغل الوظيفة العامة والنفوذ الذي تمنحه إياه في عرقلة النشاط الإداري.

ولقد تناولت معظم التشريعات القانونية جريمة استغلال النفوذ، وإن كانت لم تتفق على أحكام موحدة لها، وقد تمحور هذا الاختلاف حول مدى استقلالية جريمة استغلال النفوذ عن جريمة الرشوة، فغالبية التشريعات اتجهت إلى اعتبارها من الجرائم التي تأخذ حكم الرشوة، وذلك لوجود بعض أوجه الشبه بينهما، ومن هذه التشريعات، قوانين العقوبات في كل من مصر وليبيا ونظام مكافحة الرشوة في المملكة العربية السعودية، حيث نظمت قوانين تلك الدول جريمة استغلال النفوذ الوظيفي وفرضت لها العقوبة ذاتها المفروضة على جريمة الرشوة.

حيث تقضي المادة 6 مكرر من قانون العقوبات المصري إنه "كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدًا أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية مزية من أي نوع يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 من هذا القانون أن كان موظفًا عموميًا وبالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط في الأحوال الأخرى، ويعتبر في حكم السلطة العامة كل جهة خاضعة لإشرافها ".

بينما اتجه البعض منها إلى اعتبارها من الجرائم المستقلة عنها، ومثل هذا الوضع التشريعي نجده في كل من قانون العقوبات اللبناني وقانون العقوبات السوري.

ويرجع سبب الخلاف في مفهوم الجريمتين إلى أن جريمة استغلال النفوذ تتشابه مع بعض الجرائم الأخرى في خصائص معينة، لذا يبدو للوهلة الأولى أن هذه الجريمة تقوم على ذات العناصر التي تقوم عليها هذه الجرائم، كجريمة الرشوة، واستثمار الوظيفة، والوساطة، لكن حقيقة الأمر، أن جريمة استغلال النفوذ تختلف عن كل من هذه الجرائم بصفة خاصة مستقلة، الأمر الذي يقتضي بيان هذه الصفة الخاصة بجريمة استغلال النفوذ الوظيفي، والفرق بينها وبين جريمة الرشوة وهو موضوعنا الذي أردنا تسليط الضوء عليه لكثرة الالتباس في تفسير خصائصهما.

وتعتبر جريمة الرشوة من الجرائم الواقعة على واجبات الوظيفة العامة، وأنظمتها وأخلاقياتها، وهى جرائم مرتكبة من قبل الموظفين العموميين من ذوي الاختصاص والصلاحية، أثناء ممارستهم لواجباتهم ومهام وظيفتهم أو بمناسبته.

أما جريمة استغلال النفوذ فتعتبر من الجرائم الواقعة على الوظيفة العامة، وهى الجرائم المرتكبة من قبل الموظفين خارج نطاق عملهم الوظيفي وبالتالي اختلاف الهدف أو الغرض من العطية، ففي استغلال النفوذ يهدف الجاني إلى مجرد استعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم لدفع الموظف على القيام بعمل معين لفائدة صاحب المصلحة، أي إنه لا يهدف إلى القيام بنفسه بالعمل أو الامتناع المتعلق بالرشوة لكونه غير مختص ولا يزعم الاختصاص ولا يعتقد خطأ به، بل يسلم بعدم اختصاصه ويتدرج بالنفوذ لدى السلطة العامة من أجل تنفيذ العمل المطلوب من قبل صاحب المصلحة، لذا لا تثار في جريمة استغلال النفوذ مسألة اختصاص الموظف سواء كان الاختصاص حقيقيًا أو مزعومًا أو متوهمًا.

أما في جريمة الرشوة، فالمقابل يكون بقيام الموظف بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن القيام به أو الإخلال بواجباتها، هذا العمل يختص به الموظف أو يزعم أو يعتقد خطأ أنه مختص به، إذن يتضح مما تقدم أن جريمة استغلال النفوذ تنطوي على معنى الاتجار بالنفوذ، بينما تنطوي جريمة الرشوة على معنى الاتجار بالوظيفة العامة ذاتها، فجريمة الرشوة هى جريمة الصفة ولا يمكن تصورها بدون صفة الجاني على عكس جريمة استغلال النفوذ، التي لا يتطلب لقيامها الصفة بل يكفي التذرع بنفوذ حقيقي أو مزعوم، إلا أن الجريمتين معًا من الجرائم العمدية ويشتركان في الركنين المادي والمعنوي.

الجريدة الرسمية