رئيس التحرير
عصام كامل

يذبحون الوطن ويختبئون فى اللحية



الأحرار يفكرون والعبيد يُساقون.. أصحاب البصيرة للعقل يحتكمون، وفاقدو الضمائر عطشى الدماء فى نفوسهم خلف ريه يلهثون.. يذبحون الوطن تحت دعوى الدفاع عن الدين، وهم أبعد ما يكونون عنه.. يستخدمون الدين ويختبئون فى اللحية والجلباب.. يدعمهم غياب دولة القانون.. ورخاوة النظام.. وضعف قبضة الأمن فى ظل رئاسة لا تؤمن إلا بما رسخ فى عقيدة الجماعة، وعدا ذلك فإنه من الخوارج أو الكافرين.. وتموت دولة المواطنة فى عهد الإخوان بعد أن أصيبت بإغماءة طويلة أثناء حكم مبارك.. عن فتنة الخصوص أتحدث .

فتنة من نوع جديد، نوع ما بعد الثورة.. مصحوبًا بحرق الكنائس وحضانات الأطفال.. على غرار حرق كنيسة إمبابة وهدم كنيسة أطفيح، ومحاولات أخرى فى محافظات متفرقة.. يبدو أنه تقليد جديد، لكن هذه المرة تطفح المرارة من التفاصيل، لذلك كان لزامًا على نقلها بأمانة من أفواه شهود العيان.
تعددت الروايات، لكن معظم من حصلت على شهاداتهم أكدوا أنه أمام منزل المحامى سمير إسكندر – مرشح سابق لمجلس الشعب وذو شعبية كبيرة فى المنطقة – جلس شباب من المسلمين وقاموا بالتحرش بفتاة مسيحية.. هى ابنة لرجل يدعى فاروق نجيب.. بنخوة المصريين انتهرهم سمير إسكندر، وبغيرة الوالد على ابنته خرج فاروق يدافع عن شرف ابنته.. وبدأت المعركة.. إلى هنا يبدو المشهد متكررًا، معركة طائفية سببها ولد يتحرش ببنت.. لكن الوضع اختلف الآن.. السلاح فى مصر صار أوفر من الخبز.. ولا سيطرة على تداوله أو حتى تصنيعه فى ورش تحت السلم.. وتحول الأمر إلى معركة مسلحة بين فريقين.. تصادف خلالها مرور شاب مسلم لا ناقة له ولا جمل، أصيب بطلق نارى طائش فى رأسه.. سقط على إثره قتيلا .
فجأة ظهر طالبو الفتنة فى مشهد استعراضى مفتعل.. يعلم الله وحده لصالح من هم يحرضون.. واعتمادًا على الميراث القديم فى تسويف الحقوق وإفلات الجانى من العقاب العادل أيًّا كانت ديانته.. صاروا يطلقون دعوات التحريض واستقدام المسلحين من الأهالى للدفاع عن المسلمين ضد المسيحيين الكفار.. ذلك خلال ميكرفون المعهد الأزهرى.. وحدد الأهالى أسماء تلك الشخصيات، هم الشيخ مصطفى العجلاتى، والشيخ عز الدين الألفى – وذلك طبقًا لروايات شهود العيان الذين أجرى اثنان من زملائنا الصحفيين "هانى دانيال وعماد توماس" حوارات مسجلة معهم.. بالإضافة إلى شهادة أمير عبد الله المحامى.
والآن وأنا أكتب إليكم هذه التفاصيل، يحاول الطرفان فض المشكلة بجلسة عرفية - كالمعتاد - .. ويقف الأقباط محتشدين أمام الكنيسة خوفًا من الاعتداء عليها.. وعلى مسافة ليست بعيدة آخرون من تيارات متشددة فى انتظار فشل الجلسة تحت دعوى الثأر للدم ..
على ذكر الدم لا يمكننى تجاهل بقية شهادة زملائى التى أكدت أنه لم يكن بين القتلى أحد ضحية للاشتباكات، وإنما سقط الأول – مسلم الديانة – بالصدفة، والخمسة الآخرون – مسيحيو الديانة – بناء على الفرز على أساس الهوية الدينية.. فمنهم من كان عائدًا من عمله، ومنهم من كان خارج المنطقة وحاول الرجوع للاطمئنان على أسرته.. قادمون لا يعلمون ما ينتظرهم، فواجهتهم قوى الظلم والظلام.. أوقفوهم.. فتّشوهم، أخرجوا بطاقات هويتهم.. ومن ثبت أنه مسيحى أحرقوه أو رميًا بالرصاص أعدموه.ع
زيزى القارئ، لا تتعجب، إنها دولة المواطنة فى عهد الإخوان!! يحدثونك عن نبذ العنف ثم يحرضون عليه، وأياديهم تبتعد ويتواطئون معه بأذرع السيادة، ويتسترون على مرتكبيه فى عباءة التهدئة، ودرء مزيد من الفتن..
لم تنته القصة عند هذا الحد، بل امتدت لتطال بعض المجهولين الذين رسموا صلبانًا معقوفة - علامة الحركة النازية - التى أكاد أجزم أن من أدانوا رسمها لا يعلمون دلالتها.. فهى علامة غير ذات دلالات دينية بالمرة.. لكنه الجهل والتربص والاصطياد .
أهالى المنطقة شهدوا أنه فور النداءات التى أطلقها الشيخان سالفى الذكر.. هاجمت مجموعة مسلحة المنطقة.. بالتكبير كما لو كانوا يفتحون بلدًا كافرًا، صاروا يحرقون ويسلبون وينهبون بيوت الأقباط ومحالهم.. فأحرقوا حضانة المحبة، وسلبوا كل محتوياتها قبل حرقها.. ثم أحرقوا الكنيسة المعمدانية الإنجيلية.. هلعٌ انتاب الجميع، ولكن إلى أين يفرون؟ وكيف يحيون، وفى كل نفس مرارة وفى كل منزل حزن؟ كيف ينظرون إلى إخوانهم فى الوطن أو يثقون بهم.. بعد ما جرى لذويهم على مرأى ومسمع من الجميع فى غيبة للدور الأمنى الواجب القيام به.. فشهادة عائلة فاروق نجيب؛ والد الفتاة التى تم التحرش بها، تؤكد أنهم لجئوا لضابط مباحث يدعى شريف شوقى، طالبين حمايته، فرد عليهم قائلا: "مش انتوا عملتوا رجالة؟ دافعوا عن نفسكم بقى"!!! لا تتعجب يا عزيزى القارئ، إنها داخلية الإخوان.. "مبارك آند دقن" ينتج ميكس .. إنه نظام مرسى مبارك .
واستمر مسلسل "اللاقانون" بعد أن تم احتجاز سمير إسكندر المحامى كرهينة لحين تسليم الأقباط لكل من فاروق نجيب ونسيم سمير - والد الفتاة وقريب لها - تحت دعوى حمايته..  الأحداث تنعش ذاكرتى فى واقعة إمبابة والمنيا وغيرها .. فبضغطة زر واحدة تستطيع دخول عالم الإنترنت لتعرف كيف تم استخدام أمثال سمير إسكندر من ذوى النفوذ من الأقباط، وتلفيق تهم التحريض لهم لتصفية حسابات سياسية معهم .
ولأن المصائب لا تأتى فرادى، وغالبًا ما يكون الموت مصحوبًا بخراب الديار.. تم حرق منزلين تابعين لعائلة سمير إسكندر، هل هذه هى النهضة؟ هل من النهضة يا سيادة الرئيس أن تقبع فى قصرك الرئاسى ولا تخرج على مواطنيك ممن يقطنون الخصوص لتهدئتهم، أو حتى تخرج بكلمة عزاء لموتاهم؟.. أم أنك تخشى لوم أهلك وعشيرتك الذين يحتمون فى نفوذك، ولا يمكنك مواجهتهم بجرائمهم؟
حتى سيارات الإسعاف بدت كما لو كانت متآمرة، فطبقًا لشهادة الصحفى هانى دانيال.. وقفت السيارات أمام المعهد الدينى الذى خرجت منه صيحات التحريض.. فهل من المنطقى أن يحمل الأقباط جرحاهم وقتلاهم إلى إسعاف يقف مجاورًا لمن يقتلونهم؟!! سلوكيات قد تبدو غير مقصودة كانت نتيجتها عشرات الإصابات فى مستشفى المطرية وشبرا الخيمة يرقدون، ومنهم من لفظ أنفاسه ورحل حيث لا إرهاب ولا اضطهاد ولا فرز دينى.. ولا تزال جثته قيد التشريح.. بينما يرفض الأطباء الشرعيون الذهاب خشية الاعتداء أو التعرض لضغوط من أى نوع للانتهاء إلى التقارير على نحو لا يتفق مع ضمائرهم المهنية والوطنية، فطلبوا نقل التشريح إلى "زينهم"، وحتى الآن ترقد الجثامين فى انتظار القرار .
وللأسف يبدو أن للسطور بقية، فآخر ما تلقيته من أخبار يؤكد تهديدات جديدة عن نية للبطش بالأقباط أثناء صلاة جناز الشهداء، ووصل الأمر إلى تحديد أماكن البطش "عين شمس - المطرية – الزاريب، والخصوص"، يبدو أن أصحاب الرايات السوداء لن يكتفوا بما حدث، وسيواصلون نضال المحتلين فى تقسيم الوطن؟ لصالح تنظيمات عمياء فى الظلام وُلِدت، وعلى الكراهية تحيا.


الجريدة الرسمية