المناطق الحرة الخاصة بين الإلغاء ومطالبات الاستمرار (تقرير)
كشفت المسودة الثالثة لمشروع قانون الاستثمار عن اتجاه الحكومة لإلغاء العمل بنظام المناطق الحرة الخاصة، الأمر الذي أحدث انقساما بين مؤيد ومعارض بمجتمع الأعمال المصري.
فالبعض يراه تهديدا لاستثمارات تتجاوز قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، بحجم صادرات يزيد عن الـ60% من إجمالي صادرات مصر، والبعض الآخر يراها فرصة لإغلاق الباب أمام الفوضى والتخريب.
وأكدت داليا خورشيد وزيرة الاستثمار في تصريحات لها أن قانون الاستثمار في مسودته الثالثة ألغى المناطق الحرة.
من جانبه أكد الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن إلغاء المناطق الحرة الخاصة يزيد من نقص مصادر العملة الصعبة التي تعتبر هذه المناطق من أهم مصادرها من خلال التصدير للخارج، لافتا إلى أننا في أمس الحاجة لكل مصادر العملة الصعبة.
وتابع بأن هذه المناطق تساهم أيضا في تشغيل العمالة، منوها أن الاقتصاد المصري بحاجة لقرارات تستهدف تشجيع حركة الاقتصاد بدلا من الإقدام على إجراءات تؤدي لتراجع تنافسيته.
وأضاف أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن إلغاء تلك المناطق الجاذبة للاستثمارات، بحجة التهريب أمر مؤسف، متسائلا لماذا لم تقم الدولة بوضع ضوابط لمواجهة مثل هذه السلبيات، بدلا من قرار الإلغاء.
وأوضح أن وضع قواعد صارمة تضمن الرقابة الحقيقية على هذه المناطق هو الحل الأمثل بعيدا عن الاتجاه لإلغاء، لافتا إلى أن جميع دول العالم تعمل بنظام العمل بالمناطق الحرة الخاصة.
ويشاركه الرأي الدكتور صلاح الجندي أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، مؤكدا أن المناطق الحرة الخاصة من أكثر المناطق جذبا للاستثمار، إذ تتوافر بها عدد من المزايا منها تمتع المستثمر بها بالإعفاء من الضرائب والجمارك والرسوم.
واستطرد أنه فيما يتعلق بعمليات التهريب التي تتم بهذه المناطق فمن المفترض تفعيل الرقابة لا أكثر، موضحا أن المصانع بالمناطق الحرة الخاصة حديثة وتتمتع بطاقات إنتاجية كبيرة توجه للتصدير.
وأضاف الجندي أن القرار يؤدي لوأد أي اتجاهات التوسعات الاستثمارية بتلك المناطق خلال الفترة القادمة.
وعلى الجانب الآخر رحب رجل الأعمال محمد المنوفي، رئيس مجلس إدارة شركة «إلكتروستار»، بإلغاء العمل بنظام المناطق الحرة الخاصة، قائلا: "خدت الشر وراحت".
وأشار إلى أن هذا الاتجاه سيساهم في المساواة بين المستثمرين وعدم تفضيل أحدهما على الآخر، حيث سيخضع الكل لدفع الضرائب والجمارك، وهو ما سينعكس إيجابا على الاقتصاد القومي.
وتابع المنوفي بأن المناطق الحرة الخاصة تعتبر أحد أشهر منافذ التهريب في مصر، الأمر الذي يعد خسارة كبيرة للاقتصاد، منوها أن التصدير للخارج ليس مرهونا بتلك المناطق.
والمنطقة الحرة الخاصة هي عبارة عن مساحة من الأرض يملكها المستثمر ملكية خاصة، وتشترط الهيئة العامة للاستثمار ألا تقل مساحة هذه المساحة المخصصة لإقامة منطقة خاصة عن 20 ألف متر، وأن يكون رأسمال الشركة التي تقيم المنطقة الخاصة 10 ملايين دولار، وتكاليف استثمارية 20 مليون دولار، وسداد باقي المبلغ على مدة ثلاث سنوات من بداية التراخيص.
ويمكن إقامة المشروع خارج نطاق المناطق الحرة العامة في حالة عدم توافر مساحات بالمناطق الحرة العامة أو أن يكون موقع المشروع عاملًا مؤثرًا بالنسبة لاقتصادياته كضرورة وجوده بالقرب من مصادر الخامات الأولية أو الحاجة إلى قربه من ميناء معينة أو طريق بري معين لاعتبارات تتعلق بنقل الخامات أو المنتجات، ويطلق على المشروع في هذه الحالة «منطقة حرة خاصة»، وتكون مقصورة على مشروع واحد، ويقوم المستثمر بتحديد موقع المشروع ويكون الموقع إما مملوكًا له وإما مستأجرًا لحسابه.
ومن أهم المجالات والأنشطة بالمناطق الحرة الخاصة: مجالات خدمات تنمية الموانئ والخدمات اللوجيستية المرتبطة بالموانئ، مجالات الخدمات والصناعات البترولية المتخصصة، نشاط إعادة التأمين، نشاط تصميم وإنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة محطات توليد الكهرباء على اختلاف مصادرها، بعض الصناعات الكبرى (كثيفة العمالة وذات القيمة المضافة العالية).
وأهم مزايا المناطق الحرة الخاصة حرية اختيار مجال الاستثمار وتحويل الأرباح والمال المستثمر وتسعير المنتجات من السلع والخدمات، وحرية الاستيراد والتصدير دون القيد بسجل المصدرين والمستوردين.
وتشمل الإعفاءات للمشروعات في المناطق الحرة الخاصة الخاصة إعفاء الأصول الرأسمالية للمشروع ومستلزمات الإنتاج من الضرائب والرسوم الجمركية، وإعفاء واردات وصادرات المشروع من وإلى الخارج من الضرائب والرسوم الجمرك وإعفاء كامل المكونات المحلية من الرسوم الجمركية في حالة البيع للسوق المحلي، وإعفاء السلع الواردة ضمن تجارة الترانزيت محددة الوجهة من رسم المنطقة الحرة فور ورودها.
وتلتزم المصانع العاملة بنظام المناطق الحرة الخاصة بدفع دفع رسوم للدولة على البضائع عند الدخول والخروج من المنطقة الحرة حتى في حالات تعرضها للخسارة على عكس مصانع الداخل التي تدفع الضرائب فقط عند الربح.
وعطل قانون حوافز وضوابط الاستثمار رقم 17 لسنة 2015، العمل بنظام المناطق الحرة الخاصة منذ مارس من العام الماضي، ما أثار خلافات بين وزارتى المالية والاستثمار، دامت نحو عام ونصف العام.
فيما قرر مجلس الوزراء في يناير الماضى استمرار العمل بنظام المناطق الحرة الخاصة للمشروعات القائمة أو التي حصلت على موافقات مبدئية فقط ومنع أي موافقات لمشروعات جديدة بذلك النظام.
وشهدت الفترة الماضية محاولات عدة من قبل وزارة الاستثمار لإقناع وزارة المالية بأهمية المناطق الحرة الخاصة وعدم إلغائها، مع اتخاذ كل الإجراءات التي تكفل سد الثغرات المتعلقة بمساهمة تلك المناطق في عمليات التهريب والتلاعب.
وتلقت وزارة الاستثمار خلال الفترة الماضية طلبات لتنفيذ مشروعات جديدة بنظام المناطق الحرة الخاصة.
ووافقت هيئة الاستثمار على تأسيس 16 شركة بنظام المناطق الحرة الخاصة خلال الشهور الـ6 الأولى من عام 2015 مقابل 31 شركة في 2014، و8 شركات في 2013.
وتسهم المناطق الحرة الخاصة بنسبة لا تقل عن 25% من حجم الصادرات المصرية، وتتنوع المجالات والأنشطة المقامة داخل المناطق الحرة الخاصة.
وتتضمن المناطق الحرة الخاصة نحو 223 مشروعًا، برأس مال قدره 5.2 مليارات دولار، وتكاليف استثمارية قدرها 10.5 مليارات دولار، وحجم صادرات للخارج بنحو 2.3 مليار دولار.
وفي تصريحات سابقة لاشرف سالمان وزير الاستثمار السابق أكد أن البعض يعتقد أن المناطق الحرة الخاصة "عزبة"، وهو ما تسبب في وقف العمل بها، على الرغم من أن المناطق الحرة بشكل عام تسهم في إجمالي الصادرات بــ8.2 مليارات دولار، منهم تصدير بترولي بنحو 6.1 مليارات دولار، منوها إلى أن 25% من صادرات مصر من المناطق الحرة، إذ نجد أن نشاطًا مثل الملابس الجاهزة تسهم فيه المناطق الحرة بنحو 75% من صادرات مصر في الملابس الجاهزة.