يامصر.. شعبك ظالم أم مظلوم!؟
إلى أين نسير..!؟ أكاد أتم الستين عاما، فتحت عينى على نكسة 5 يونيو وشعرت بمرارة الهزيمة في كلمات والدى المهموم بالسياسة وقضية تحرير فلسطين، وبناء السد العالى والخطوات الإيجابية لأول خطة خمسية في تاريخ مصر، وكان والدى مشاركا النموذج الوطنى الرائع وجيه أباظة العمل السياسي عندما كان محافظا للغربية وترك السياسة بعد ترك وجيه أباظة المحافظة، رأيت الدنيا تكاد تظلم بعد نكسة 5 يونيو 67، وبالرغم أننا في قرية إلا أن مندوبا من الداخلية يأتى منبها ومطالبا بضرورة دهان زجاج الشبابيك باللون الأزرق حتى لا يظهر أي ضوء ليلا، يراه العدو لو أغار بطائراته ليلا، في الوقت الذي كنا نتحدث ونحن أطفال عن دخول الجيش المصري إلى تل أبيب، أصبح الخطر يهدد بيوتنا ونحن في قلب محافظات الوجه البحرى، لا أستطيع نسيان خطوة أبى الرجل القوى الممشوق وهو يكاد يجرها جرا حزنا وكمدا بسبب ماحدث، وهو يستمع مع كبار القرية إلى الأخبار من البى بى سى اللندنية، وكأن الشمس غابت فجأة وترفض العودة، حزنا على استشهاد وخسارة الأبناء والأرض والمهابة، وأيضا لأننا قصرنا في استعدادنا لهذه المعركة فلم نكن نستحق شمس مصر الأجمل في الدنيا!
وبالرغم من كل هذا لم تمضِ أيام حتى بدأت الروح تعود للجسد المذبوح، بعمليات لقوات الصاعقة في رأس العش، وتدمير المدمرة إيلات أكبر القطع البحرية الصهيونية، بالرغم من الهزيمة توحدت الهمم والأهداف للأغلبية العظمى للشعب، بالرغم من ترك البعض من ضعاف الإرادة مصر وهاجروا إلا أن الشعب كان يدرك دوره جيدا وعليه تحمل الأعباء من أجل تحرير الأرض.
الغريب أن بعد الانتصار العظيم في السادس من أكتوبر73 العاشر من رمضان، فقدنا الهدف وتمزقت الوحدة التي كانت، اختل ميزان العقل والمنطق، ومعه اختلت واختلفت الأحلام والطموح، بدأ المجتمع يسير بلا رأس أو عقل، اختل ميزان المنطق فتاهت ملامح الطريق الذي نسير فيه، بل بدأنا بهدم كل القيم والمبادىء التي كنا نراها ملهمة للشعب المصرى، وأصبح ماضى مصر كالعادة وكأنه كله أخطاء بلا أي إنجاز يذكر، ومع هذا كان هناك حركة طلابية على أعلى مستوى منذ الأربعينيات، هذه الحركة كانت واعية، مدركة تماما لدورها ودور مصر ليس تجاه الحدود المصرية فقط بل تجاه أمتها العربية.
في الفترة الطويلة التي امتدت إلى ثلاثين عاما قبل 25 يناير للأسف كان حصاد البذرة الفاسدة التي غرست في منتصف السبعينيات، مع وجود نظام حاكم أقرب إلى الموظفين، لا إبداع مطلقا في الإدارة، بل تزايد الفساد المجتمعى ورعرع للأسف، في الوقت الذي كان الهدف الأول بناء البنية التحتية من مجارى ومدارس.. إلخ، تم تدمير البنية التحتية للإنسان المصرى وأصبح الفساد يعشش في الضمير المصرى كما قال لى ذات مرة المفكر د.عبدالعزيز حمودة، أصبح الفساد في الوزارات ومفاصل الدولة نظاما مقاوما لكل محاولات الإصلاح.
جاءت 25 يناير لتحمل أحلاما اقرب إلى الأوهام، جاءت لتكشف عن كذب مقولة إن مصر مليئة بالكفاءات، وأصبح العثور على قيادة جيدة أصبح مجرد صدفة، بل هربت أو اعتذرت قيادات كثيرة عن تحمل المسئولية سواء لحمل حقائب وزارية أو محافظين.
إلى أين نحن نسير..!؟ لمحات من التاريخ سريعة، تطاردنى وغيرها، لأن المجتمع الآن بكل المقاييس مقدراته أفضل من مقدارته بعد هزيمة 67، وأفضل من بعد انتصار أكتوبر 73، وأفضل من بعد اغتيال الرئيس السادات 81..! ومع هذا يسود المجتمع حالة من فوضى الوعى، وانعدام الرؤية الوطنية، وتراجع مستوى الاخلاق لأدنى درجاتها على مدى عمرى، لم تكن في الستينيات منتقبة واحدة، ولا تغطي رأسها إلا الأم والسيدة الكبيرة سنا، وكان هناك من يلبسن المينى جيب والميدى، ولم أذكر ملحتيا واحدا سوى شيخ الجامع أو رجال الدين، ولم أرَ في حياتى قبل النصف الثانى للسبعينيات لافتة تقول الحجاب قبل الحساب....إلخ، ومع كل هذا كانت الأخلاق أفضل، التعامل بين الناس أرقى، الأمانة أمر مترسخ في الإنسان والمجتمع المصرى...أين نحن الآن من أنفسنا..!؟
المشكلة ليست فقط في الحاكم.. ولكن علينا أولا بأنفسنا.