رئيس التحرير
عصام كامل

بورسعيد وعيد النصر يا رجال!


ربما كنا آخر جيل درس في الصفوف الأولى بالمرحلة الابتدائية في أواخر السبعينيات أن ملحمة كبرى كانت هنا.. جرت هنا.. على جزء غال من أرض بلادي، كان أرضا وزمنا فاصلا في تاريخ العالم.. انهارت بعدهما إمبراطوريات قديمة وصعدت إلى سطح الكوكب قوى عظمى جديدة.. لكن كانت نتائج المصالحة بين نظام الحكم والإخوان قد بدأت تؤتي ثمارها في التحالف ضد زعيم بعينه وضد فترة بعينها.. أهال الإخوان التراب على كل ما تم في الخمسينيات والستينيات.. ليس لثأر الجماعة منها فحسب وإنما بتعليمات من دول في المنطقة ودول عظمى كان لها هي أيضا ثأر مع المرحلة نفسها ومع الزعيم نفسه..


كان النظام في البداية سعيدا قبل أن يعترف في أيامه الأخيرة بالخطأ الفادح.. فلم يكن ما تحقق في الخمسينيات في حقيقة الأمر إلا نضال شعب حر هو من أدار تحت اللهيب مصانع الحديد والصلب والنصر للسيارات والألومنيوم العملاق والصناعات الحربية وسيماف وبنها للإلكترونيات وإيديال والمراجل البخارية وغزل دمياط وغزل المنيا وكيما أسوان وسماد أبو قير وكيماويات أبو زعبل وطنطا للزيوت والكتان وغيرها من مئات المصانع الثقيلة والمنتجة فحسب وإنما هو أيضا بنفسه الشعب العظيم الذي حمل السلاح ليدافع عن إرادته وحقه في الحرية وحقه في استرجاع قناته التي حفرها المصريون بأظافرهم واستشهد -استشهد- فيها وحدها مائة وعشرون ألف شهيد بما يبرز حجم من عمل بها وكلهم-من استشهد ومن عاش-عملوا بالسخرة وبالكرباج!

مليونا قطعة سلاح بسيطة حملها أهل بورسعيد والمتطوعون المصريون القادمون من كل أنحاء مصر يواجهون بها ثلاث دول.. ها هي العمليات الفدائية البطولية في كل مكان.. بل ها هي الأساطير تسطر في كل مكان حيث-مثلا-البطل محمد مهران الذي وقع أسيرا في عملية فدائية وطلبوا منه أن يسب عبد الناصر في الإذاعة البريطانية وإلا فقأوا عينيه فرفض.. ففقد بصره وحتى اليوم أطال الله عمره.. لكن وفي الأخير تنتصر الإرادة الحرة ويهزم الأحرار الغزاة ويعودوا خائبين من حيث جاءوا وكتب وزير خارجيتهم-أنتوني ناتنج- أهم كتاب عن زعيم مصر يقر فيه بانهيار بريطانيا العظمى من معركة بورسعيد، بينما نجد فينا من يقول العكس بكل أسى ولكن العبرة بالنتيجة والنتيجة أن حمل الاستعمار بالفعل عصاه على كاهله ورحل.. وإلى الأبد!

كانت التربية الوطنية تقتضي أن تحتفل الشعوب بانتصاراتها وأن يتعلم الصغار تاريخهم.. لكن كنا أمام من يريد أن يبرز نصرا واحدا لا غيره.. فتم تجاهل المناسبة وتم تجاهل غيرها.. وظهر بيننا من يحتفل مع الأعداء بأي كبوات مررنا بها في تاريخنا وكأن الشيطان سلطهم علينا ليصوروا للأجيال الجديدة أن تاريخهم كله هزائم ونكبات فقدموا دون أن يدروا-أو يدروا-خدمات جليلة لأعداء الأمة وتسببوا في عدم الانتماء الذي يعاني منه جيل كامل ثم يندهش البعض من اختلاف هذا الجيل من جيل سبقنا قدم صمودا أسطوريا بين 67 و73 دون إدراك الفرق بين من تربوا وطنيا ومن تحالفوا دون أن يدروا-أو يدروا - مع أعداء الوطن!

كل عام وأنتم بخير.. احتفلوا وتخلصوا من إعلام الشر واعرفوا تاريخ بلادكم وأمجادكم.. فاليوم عيد النصر يا رجال!
الجريدة الرسمية