رئيس التحرير
عصام كامل

تفاصيل كلمة شيخ الأزهر الأسبوعية.. الطيب: الفتاوى المتجمدة وراء انفصال الدين عن الحياة.. المفتون في القرن الماضي كانوا أكثر شجاعةً.. الاجتهاد «ضرورة».. ومصطلح «الأقليات» يعزز العزل


قال الدكتور "أحمد الطيب" شيخ الأزهر، إنَّ مِن الفقهاء مَنْ يُفتي دون مراعاة أحوال الناس وتماسك الأسرة والحفاظ عليها، مشيرًا إلى أنه قد نبَّه على ذلك في مؤتمر دار الإفتاء.


وأضاف:« يجب على مَن يُفتي الناس أن تكون لديه من الخبرة الواقعية والمجتمعية التي تؤهله إذا ما سُئل عن حادثة معينة أن يعرف الحادثة بظروفها وملابساتها وما يترتب عليها من منافع أو مصالح أو أضرار على الواقع، ومن هذا المنطلق ضربت مثلًا بمسألة الطلاق الثلاث».

الطلاق
وذكر «الطيب» في حديثه الأسبوعي الذي سيذاع، اليوم الجمعة، على الفضائية المصرية: "ما عليه الجمهور أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاث مرات في لفظ واحد كأن قال لها أنت طالق طالق طالق، أو قال لها أنت طالق بالثلاثة فإنه يقع ثلاثًا، وبه تنتهي العلاقة الزوجية تمامًا، ولا تحل له إلا إذا تزوجت رجلًا آخر وطلقها.

وأضاف أن هذا الحكم ربما كان مقبولًا قديمًا؛ لأن الناس كانوا يتهيبون التلفظ بالطلاق، فلم يكن الوضع على ما نراه الآن من حلف الناس بالطلاق -والطلاق بالثلاثة- في مصالحهم اليومية والحياتية؛ لتأكيد كلامهم أو أنهم صادقون، فمثلًا لو اختلفوا في السوق على سلعةٍ ما حلفوا بالطلاق ثلاثًا، ويكون ذلك سببًا في هدم أسرة  وتشريد أطفال وخراب بيوت، مع أن المفروض على من أراد الحلف أن يحلف بالله ، عز وجل.

علماء القرن
وأوضح الإمام الأكبر أن العلماء والمفتين في القرن الماضي كانوا أكثر شجاعةً من علماء اليوم على اقتحام قضايا وأحكامٍ مستْ حاجة الناس إلى تجديدها والاجتهاد فيها في ذلك الوقت، حيث إنهم اجتهدوا مثلًا في أن الطلاق الثلاث بلفظٍ واحدٍ يقع طلقةً واحدةً، على الرغم من وجود شبه إجماعٍ من علماء الأمة على خلافه، وأن القاضي عبد الوهاب المالكي يراه قولًا من أقوال المبتدعة.

 ويقـول عنـه ابن عبد البر: «إنه ليس من أقوال أهل العلم» إلا أن علماء الأزهر لم يتحرجوا في ذلك الوقت من اقتحام هذه المشكلة، ومن الخروج بفتوى رسميةٍ خالفوا فيها المذاهب السائدة على الساحة، ولم يعدمْ العلماء أن يجدوا لفتواهم سندًا من التراث الفقهي، فأفتوا بأن هذه الصيغة تقع بها طلقةٌ واحدةٌ، موضحًا أنه قد حدث هذا الاجتهاد عام 1929م، في القرن الماضي، ودخل كنص قانونٍ في قوانين الأحوال الشخصية.

 وفي عصور التألق العلمي والحضاري أفتى بذلك الفقيه الأندلسي المالكي "أحمد بن مغيث الطليطلي" المتوفى سنة ٤٥٧هجرية، وفقيه قرطبة محمد بن عبد السلام الخشني المتوفى سنة ٢٨٦هجرية، وغيرهما من كبار فقهاء المالكية؛ لأن البيئة عندهم اختلفت عن البيئة في العراق أو في الحجاز أو في الشام أو في مصر، مع أن بقية فقهاء المالكية رفضوا فتواهم هذه، وكذلك الشافعية والحنابلة رفضوها، حتى قال القاضي أبو بكر بن العربي وهو مَن هو في الفهم والاجتهاد: "ابن مغيث" لا أغاثه الله؛ لأنه توقف عند النص، وعند فتاوى سابقة وأفهام سابقة لمسألة الطلاق في الإسلام.

تفسير النصوص
وأكد الطيب أن الاغتراب أو التشبث بتفسير النص بطريقة ظاهرية تقف عند لفظ النص وحرفيته، دون فقه النظر وتحري مقاصد الخطاب ومراميه، يجعل الشريعة غريبة تمامًا عن الحياة وهو يؤدي إلى انفصال الدين عن الحياة، وأن الفتاوى المتجمدة التي تُستدعى من قرون مضت دون التأمل في واقع المشكلة التي يراد الإفتاء فيها أيضًا يؤدي إلى انفصال الدين عن الحياة، لذلك فإنه لا يجوز الاقتصار على فتوى واحدة في مسألة واحدة في القاهرة أو في باريس أو مقديشو أو جاكرتا، لاختلاف الظروف والبيئات والأحوال.

 فمثلًا علماء الأندلس تجد عندهم فروقات كثيرة فيما يسمى بفقه النوازل، بل وجدنا اختلافات كثيرة في المسألة الواحدة بين الفقه في المغرب والفقه في العراق والفقه في الحجاز، مطالبًا المجامع الفقهية في العالم العربي والعالم الإسلامي أن ينظروا في أحوال الناس وأن ينظروا في بعض المسائل المستحدثة؛ كمسألة إيداع الأموال في البنوك التي لا تزال حتى الآن محل اختلاف مع أن هناك جيلًا من العلماء من أمثال الشيخ أبو زهرة والشيخ علي الخفيف تحدث فيها بعمق.

الأقليات
ونَوَّه الإمام الأكبر إلى أن مصطلح الأقليات وافد على ثقافتنا الإسلامية، وتحاشاه الأزهر في خطاباته وفيما صدر عنه من وثائق وبيانات، لأنه مصطلح يحمل في طياته بذور الإحساس بالعزلة والدونية، ويمهد الأرض لبذور الفتن والانشقاق، بل يصادر هذا المصطلح ابتداًء على أية أقلية كثيرًا من استحقاقاتها الدينية والمدنية.

 وفيما أعلم فإن ثقافتنا الإسلامية لا تعرف هذا المصطلح، بل تنكره وترفضه، وتعرف بدلًا منه معنى المواطنة الكاملة كما هو مقرر في وثيقة المدينة المنورة، لأن المواطنة –في الإسلام- حقوق وواجبات ينعم في ظلالها الجميع، وفق أسس ومعايير تحقق العدل والمساواة: (إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلَ وَالإِحْسَانِ) "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، فمثلًا المسلم المغترب في بلد أوروبي غير إسلامي هو مواطن لا بد أن يشعر بالمواطنة الكاملة في الحقوق والواجبات، ولا محل مع هذه المواطنة الكاملة لأن يوصف أي منهما بالأقلية الموحية بالتمييز والاختلاف في معنى المواطنة.

الجريدة الرسمية