رئيس التحرير
عصام كامل

الوزير العنيد.. وجرائم أولياء الأمور


ابتليت العملية التعليمية في مصر بالعديد من الأمراض التي أضعفتها حتى وصلت إلى مراحل خطيرة من الضعف في العديد من المؤسسات التربوية، ومراحل أكثر خطرًا في مناطق أخرى؛ ولكن مرضا جديدا ظهر على جسد التعليم المصري منذ عدة سنوات وهو آفة «أولياء الأمور»، حيث يرتكب مجموعة من أولياء الأمور العديد من الجرائم في حق أبنائهم الطلاب قبل أن تكون في حق التعليم المصري.


ومن أبرز الجرائم التي يرتكبها أولياء أمور عدد من الطلاب الهجوم المطلق على وزارة التربية والتعليم في كل خطوة تخطوها، وكل قرار تتخذه، فالآباء الذين يصرخون من الارتفاع المتزايد لقيمة الدروس الخصوصية في «السناتر» هم أنفسهم من هاجموا كل من حاول إغلاق مركز للدروس الخصوصية، كذلك فإن الآباء والأمهات الذين ينتقدون تدني مستوى أبنائهم في المرحلة الثانوية هم الذين ثاروا وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها على قرار تطبيق درجات الحضور والسلوك على طلاب الصف الثالث الثانوي، ولم تهدأ ثورتهم حتى تم إلغاء القرار.

واحدة من معارك أولياء الأمور هي الهجوم المستمر على المناهج الدراسية، والحقيقة أنهم محقون في هجومهم على المناهج من بعض الجوانب، ولكنهم مخطئون من جوانب أخرى، محقون من جوانب ضرورة تنقيح تلك المناهج من عدد من الدروس ومراجعتها وتنقيتها من بعض الأخطاء والتناقضات في بعض المعلومات التي تقدمها؛ لكنهم أيضا مخطئون من جوانب أخرى عديدة فهم يهاجمون كافة المناهج ويطالبون بتخفيفها دون أن يمنح أي منهم نفسه فرصة ليقارن المناهج الحالية بالمناهج التي كانت تدرس قبل ٤٠ أو ٥٠ عاما، والتي كانت أحد الأسس في تخريج علماء كبار ننظر لهم اليوم بعين الفخر والإعزاز..

والواقع أن المناهج القديمة كانت أكثر صعوبة من المناهج الحالية وبها معلومات أكثر ضخامة وأكبر حجما من تلك التي تدرس حاليا؛ لكن الفارق بين الزمنين يكمن في أن أولياء الأمور في الماضي لم ينصبوا أنفسهم مرجعية للحكم على صعوبة وسهولة المناهج، فما لا يفهمه ولي الأمر من الدروس يجب أن يحذف، وهذه كارثة أخرى تحتاج إلى مراجعة، كذلك فمن الفوارق بين الزمنين مستوى المعلم الذي يقدم المعلومة، ففي الماضي كان المعلمون يرون أنفسهم أصحاب رسالة سامية، ويرون فيما يقدمونه قيمة كبيرة، وكان المعلمون يتنافسون فيما بينهم في البحث والاطلاع.

أما الآن فإن المعلمين يتنافسون فيما بينهم حول كيفية الحصول على أكبر عدد من الطلاب في الدروس الخصوصية، حتى إنهم يكيدون لبعضهم البعض في المدارس من أجل تحصيل أكبر نسبة من الدروس، وللأسف لم يثر أولياء الأمور على مستويات المعلمين، وكان الأولى بهم أن تتركز جهودهم على ضرورة الارتقاء بمستوى المعلم والاهتمام بكليات التربية لتخريج معلمين جديرين بحمل هذا اللقب، لأن المعلم الجيد هو الذي يستطيع تقديم مادته العلمية بصورة تجعل الطالب مقبلا عليها بنهم وحب.

وآخر معارك أولياء الأمور هي قضية تفعيل قرار أن يؤدي طلاب التجريبيات امتحانات المواد العلمية باللغة الإنجليزية باعتبارها مادة التدريس في تلك المدارس، إلا أن هذا القرار يقابل بحالة رفض كبيرة، وبثورة فيس بوكية عارمة من أجل إجبار وزير التعليم الحالي الدكتور الهلالي الشربيني للتراجع عن القرار والعودة للامتحان باللغة العربية، إلا أن الوزير العنيد يرفض العدول عن القرار بحجة أنه ما الفائدة أن يدرس الطالب باللغة الإنجليزية ويؤدي الامتحان باللغة العربية.

وبين هذا وذاك، تقف مراكز الدروس الخصوصية والتي انتهت من تدريس المواد للطلاب المشتركين فيها من طلبة الثانوية العامة في المدارس الخاصة، وتلك المراكز تقدم حصصها باللغة العربية وتراجع للطلاب بالعربية، وبالتالي فإن الطلاب غير مؤهلين للامتحان باللغة الإنجليزية كما تريد الوزارة، ولا يستطيع أولياء الأمور في معرض ثورتهم أن يعلنوا أنهم يناصرون مراكز الدروس الخصوصية على الوزارة، ولذلك تظل المعركة مستمرة. والضحية هو التعليم في النهاية.
الجريدة الرسمية