رئيس التحرير
عصام كامل

نادر بكار.. عندما يرتد الشيء لأصله!


عندما تكتمل الصورة وتبدو ملامحها واضحة.. لا تندهش، وعندما يرتد الشيء لأصله لا تأخذك المفاجأة فتفقد الرؤية الصحيحة.. الجماعة الإرهابية والسلفيون والمتطرفون سواء كانوا دواعش أو جبهة نصرة أو جند الشام أو بيت المقدس أو  أنصار السنة وأنصار الشريعة وأنصار أي شيء.. هؤلاء جميعا خرجوا من جحر واحد، وشربوا من بئر واحد، وتعلموا من فكر واحد.. لا يختلفون في المنهج، ولا يبتعدون عن بعضهم البعض إلا للضرورة، وإذا انفصلوا ينفصلون ليعودوا باسم جديد وشعار جديد.. هؤلاء يمتلكون قدرة عالية على التمويه والتكتيك، وعلي قبول الاتهامات لترسيخ مفهوم المظلومية، لاستدرار عطف العالم كما فعل اليهود مع النازي، ورفعوا شعار الهولوكوست وابتزوا به العالم وما زالوا يبتزونه !


تحت عنوان (أسئلة منطقية إلى من زعموا تحرير حلب) كتب نادر بكار الخميس الماضي يقول: عدة أسئلة منطقية يحتاج كل من هلل لسقوط حلب أن يطرحها على نفسه منها.. هل فر الملايين من حلب خوفا من داعش؟ أين كانت داعش هذه قبل منتصف العام ٢٠١٤؟ أين كانت وربع المليون سورى يُقتل بالبراميل المتفجرة والقصف الجوى والسلاح الكيماوى؟ ثم لم يلبث الرقم أن ناهز النصف مليون في العامين الأخيرين.. إذا أردنا أن نحسب الحسبة بهذه الطريقة فلا بأس.. الأسد قتل ربع المليون وشرد الملايين وتكفلت داعش بالربع مليون الآخر وتشريد بقية السوريين.. فلنعامل الاثنين إذن داعش والأسد نفس المعاملة.. كلاهما إرهابي ٌمجرم!

بكار يري أن داعش جماعة مسالمة لا تقطع الرقاب، ولا تبيع النساء، ولا تغتصب البكارى، ولا تسرق النفط، ولا تهدم البيوت، ولا تطرد السكان من منازلهم قسرا، وإلا الموت.. لذلك ينفي أن يكون فرار السوريين خوفا من داعش.. ما شاء الله على التحليل والرؤية.. ما كان بكار يقول ذلك قبل سفره إلى أمريكا ودخول هارفارد!

بكار يقبل في النهاية أن يساوي بين النظام السوري وبين داعش في القتل والتشريد، لأنه لم يستطع أن ينكر إرهاب داعش، ويصفهم بالإرهابيين المجرمين.. وربما لم يتذكر إجرام جبهة النصرة والسلفية الجهادية والإخوان في سوريا قبل ظهور داعش حسب اجتهاده المشبوه!

بكار يصف من هللوا لتحرير حلب بقصر النظر أو قصور الفهم، وهو يعاني من ذات العيب، لأنه لا يتابع ولا يري ولا يسمع إلا لإعلام داعش والجزيرة، الذين يصورون أن الحرب في سوريا هي فقط بين الجيش الوطني السوري وبين الشعب، وأن أي قصف يحدث هو من الجيش السوري.. الخواجة بكار يعلم جيدا أن الجيش الحر في سوريا يملك أسلحة جيوش، وأن الميليشيات المتطرفة لديها أسلحة متطورة كانت تسقط عليها من السماء بالخطأ المقصود من طائرات التحالف، وأن الحدود التركية مع سوريا كانت معبرا لمرور الأسلحة المتطورة للمعارضة (المسلحة)، ويعرف أن ما يحدث في سوريا ليس ثورة، لكنه صراع بين الكبار على إسقاط سوريا وتفكيكها لحساب إسرائيل!

بكار يعرف ذلك لكنه يعود إلى الأصل، ويدافع عن التطرف أو على الأقل يساوي بينه وبين أصحاب الحق.. هل هناك فرق بين ما قاله بكار وما قاله مرسي عن سلامة الخاطفين والمخطوفين.. نحن ننسي دائما!

بكار يقول عن الجيش السوري: (عن أي جيش وطني نتحدث؟ المهمة الرئيسية لأي جيش وطني في الدنيا أن يحمى شعبه ويحرس أرضه ويدافع عن مقدراته.. هل تجد شيئا من هذا لم ينتهكه جيش بشار؟ أباح أرضه لجنود إيران وسماءه لطائرات روسيا، وسواحله لقواعدها العسكرية الدائمة.. فتح الحدود لميليشيات طائفية جمعت طهران أشتاتها من لبنان واليمن وباكستان وأفغانستان.. فأي جيش وطني هذا الذي نحرص على بقائه أو نفرح لانتصاره على مساكين شعبه؟)..

لا يختلف بكار كثيرا عن فكر الجماعة الإرهابية، وعن موقفهم من الجيوش فهم أصحاب شعار "يسقط حكم العسكر"، وأصحاب نظرية تحويل الجيوش إلى ميليشيات طائفية، وإن أعلنوا في بعض الأوقات عكس ذلك، لهذا يسخر من الجيش الوطني السوري ومن استرداده مدينة حلب، ويصفونه بالسقوط لا بالتحرر من الإرهاب.. لم يذكر بكار دخول الدواعش والمتطوعين من الإرهابيين من كل الدنيا، لأنه لا يراهم إرهابيين كما يري الميليشيات الطائفية.. قياس أعوج يعتمده السلفيون والإخوان وكل من على شاكلتهم دائما!

في النهاية يقول بكار في مقاله (هناك جماعات إجرامية تقتل الناس وتضيق عليهم باسم الدين، نعم لكن هذه الجماعات لم تكن لتعرف طريقها إلى ترويع الآمنين، لولا أنها وجدت من يغذيها ويستفيد من نموها.. فتش دائما عن المستفيد؟)

بكار لم يجرؤ أن يصف هذه الجماعات بالإرهاب، وقال عنها جماعات إجرامية، ومع ذلك التمس لها العذر، وخلق لها مبرر إجرامها وإرهابها، وأنها مظلومة لأن هناك من يغذيها.. إذا أردت أن تعرف من يغذيها ومن المستفيد– وأنت تعرف بالقطع– فمن يغذيها هم الأمريكان الذين تسعون للارتماء في أحضانهم كبديل للجماعة الإرهابية..

أوراق التوت تسقط، وتكشف العورات والأقنعة تذوب بفعل لهيب الحقائق الدامغة.. النسيج واحد مهما اختلفت ألوانه!
الجريدة الرسمية