وداعا طارق الغزالي حرب
الدكتور طارق الغزالي حرب الذي رحل عن دنيانا أمس الأحد، كان نموذجًا للطبيب الإنسان، ومثالا للمواطن المصري الأصيل المهموم ببلده، والذي كان يتمنى أن يراه أفضل بلد في العالم لأنه بالفعل يستحق ذلك، حتى قبل أن ألتقيه جسديا كنت ألتقي به أسبوعيًا من خلال مقاله في جريدة المصري اليوم، كانت لديه جرأة في الحق تنطق بها كلماته الشجاعة، ولا يخاف في الله لومة لائم، لم تتغير مواقفه من عهد مبارك حتى السيسي مرورا بالإخوان ومقالاته لم تتلون بصبغة النظام الحاكم، وشارك في الأحداث السياسية المهمة التي شهدتها البلاد من 25 يناير حتى 30 يونيو..
في عز جبروت نظام مبارك كتب أشد الآراء جرأة وحينما سألته ذات المرة كيف تنتقد النظام بهذا الشكل وانت موظف كبير في الدولة (كان وقتها مديرا عاما لمستشفى الهلال بدرجة وكيل وزارة الصحة) فقال:
"إن مقالي هو تعبير عني طارق الغزالى حرب المواطن المصري، وليس الطبيب الموظف، وأنا لا أكتب إلا ما اعتقد أنه من وجهة نظري في مصلحة بلدي دون أدنى اعتبار لأي مصالح أخرى حتى لو كانت مصلحتي الشخصية، الرب واحد والعمر واحد والرزق مقسوم".
للأمانة النظام الحاكم كان يقدر هذا في طارق الغزالي حرب وظل محافظا عليه في منصبه حتى إحالته إلى التقاعد (المعاش) بل اختاره بعد ذلك عضوا في محكمة القيم من الشخصيات العامة، الراحل كان مهموما جدا بإصلاح المنظومة الصحية والمريض المصري حتى قبل أن يصاب هو بالمرض اللعين كتب آخر مقال له قبل شهر من وفاته حول مأساة المرض في بلد لا يهتم بالإنسان وحقوقه..
للغزالي 283 مقالا كلها تشع بالوطنية، وكان رحيما بمرضاه يعشق الانضباط الذي تعلمه في القوات المسلحة، حيث كان ضابطا طبيبا بالقوات الجوية، أحدث طفرة في مستشفى الهلال، وفي الحقيقة أسرة الغزالي حرب كلها كذلك وهي نموذج للأسرة المصرية الأصيلة والتعبير الصادق عن الطبقة المتوسطة التي كافحت حتى حققت آمالها وطموحاتها بالعلم والعمل والاجتهاد بعيدا عن الواسطة والمحسوبية، وكان والدهم رحمة الله عليه مدرسًا للغة العربية، ويعلم قيمة العلم ومن خلال الجنيهات البسيطة التي كان يتقاضاه حينذاك من وظيفيته في زمن لا يعرف الدروس الخصوصية، استطاع أن يصل بأبنائه الثمانية إلى أفضل المستويات العلمية والوظيفية من أساتذة بالجامعات وأطباء ولواءات ووكلاء وزارة وإعلاميين..
الدكتور أسامة المفكر والسياسي البارز والأخ الأكبر لعائلة الغزالي قال لي ذات مرة إن والده كان يفتخر بأبنائه ويقول أنا أغنى رجل في مصر امتلك ثروة قيمتها 8 ملايين جنيه فيقولون له كيف وأنت موظف بسيط في الدولة؟ من أين لك بهذه الثروة الضخمة؟
يقول ابني أسامة بمليون جنيه وصلاح مليون وطارق ويحيي وخالد وأكرم وصفاء وفادية كل منهم يساوي مليون جنيه طبعا هذا الكلام كان في زمن المليون جنيه ميزانية وزارة سيادية، القيم لدى عائلة الغزالي حرب لم تتجزأ فحينما مرضت والدتهم الله يرحمها وكانت تحتاج إلى جلسات غسيل رفضوا علاجها على نفقة الدولة وتحملوا التكاليف كاملة حتى توفاها الله لكي لا تأخذ حق مريضا فقيرا رغم أن نجلها صلاح كان وكيلا لطب قصر العيني وطارق مديرا لمستشفى الهلال و5 من أحفادها أطباء..
رحم الله الدكتور طارق الغزالي حرب، الطبيب، الإنسان، والمفكر الوطني المحترم، وألهم أهله وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
Egypt1967@yahoo.com