لن تكون الأخيرة!
لم تكن مناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس عن أهمية تجديد الخطاب الديني، ويحمل علماء الدين الإسلامي المسئولية في المشاركة الجادة في تنقية التراث، مما علق به من آراء مخالفة لصحيح الدين، سواء من خلال مراجعة المناهج الدراسية المقررة على طلاب المدارس والمعاهد والجامعة الأزهرية، أو من منابر المساجد في أيام الجمعة.
وفي كل مرة يحاول الرئيس إقناع علماء الدين الإسلامي، بأن قضية التجديد لم تعد رفاهية، إنما ضرورة حتمية لأنها تعد من أخطر التحديات التي تواجه الدولة المصرية، وأن المواجهة العسكرية للإرهابيين وحدها ليست كافية لاقتلاع الأفكار الخاطئة التي استمرت الجماعات المتطرفة في غرسها في عقول الشباب.. عبر سنوات طويلة حتى أصبحت عقيدة يفتدونها بأرواحهم، وتنتقل تلك الأفكار من جيل إلى آخر، طالما تتوفر البيئة الحاضنة لتلك المعتقدات، وفي غياب الخطاب الديني الصحيح الذي يكشف عوارها، ومن أسف أن العديد من المقررات الدراسية وخطب أئمة المساجد، تدعم تلك المعتقدات.. بدلا من أن تتصدى لها وتكشف زيفها.
وليس سرا يذاع أن دعوة الرئيس لا تجد الحماس من جانب العديد من علماء الأزهر، ومنهم من ينتمي إلى جماعة الإخوان المحظورة سواء تنظيميًا أو عقائديًا، وقد حظي هؤلاء بمناصب مؤثرة خلال حكم الجماعة، وكان لهم وجود فعال في مختلف المؤسسات التابعة للأزهر، ومازال تأثيرهم واضحًا في العديد من القرارات والإجراءات التي تصدر عن المؤسسة العريقة، خاصة فيما يتعلق بالهجوم على كل من يسعى إلى تجديد الخطاب الديني، أو تنقية التراث مما علق به من خرافات، واعتبار كل مجتهد في هذا المجال مخالفا لإجماع علماء المسلمين حتى لو كان من داخل مؤسسات الأزهر والأمثلة على ذلك عديدة.
والمشكلة أن الذين يطالبهم الرئيس بالقيام بدور فعال في تجديد الخطاب الديني بما يناسب العصر، ولا يخالف تعاليم الدين الحنيف يرون أن التجديد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يرى الرئيس أن الطريق طويل أمام التجديد، وقد يستغرق وقتا، وعلينا أن نبدأ بالخطوات الأولى التي تتطلب تطوير مناهج التعليم، وإعادة تثقيف الأئمة بما يواكب التطور الذي حدث في المجتمع، خاصة أن الخطيب يوجه خطابه إلى المواطنين على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والطبقية، تلك هي الرؤية التي قدمها الرئيس فماذا كان رد الفعل لدى وزارة الأوقاف؟
اتخذ وزيرها قرارا بتوحيد خطب الجمعة في جميع مساجد الأوقاف، وكأن هذا الإجراء كفيل بتجديد الخطاب الديني.
يرى الرئيس أن التجديد لا يجب أن يقتصر على علماء الدين، إنما لابد أن يشاركهم علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة، في إعداد الخطط التي تتم دراستها جيدا، بحيث نحقق التواصل مع المجتمع، ونسد الطريق أمام جماعات التطرف التي تخرب عقول الشباب، وتدفعهم إلى العنف وارتكاب الجرائم ضد المواطنين الآمنين، في محاولة لفرض وصاية على المسلمين، يكفرون من يختلف ويمنحنون شهادات الإيمان لمن يسايرهم.
وعلي الجانب الآخر يرى علماء الأزهر أن مشاركة علماء الاجتماع والمثقفين في عملية التجديد يمثل انتقاصًا من دورهم، اعتقادًا منهم أنهم وحدهم أصحاب الرأي في كل ما يختص بشئون الدين، ولا يتورعون عن الإساءة إلى كل من يحاول الاجتهاد، وإحالتهم إلى المحاكم بتهم «ازدراء الاديان».
وقد وجه الرئيس بتشكيل لجنة تضم علماء من الأزهر، وأساتذة الاجتماع والاقتصاد والسياسة والأجهزة الأمنية، لوضع خطة لتجديد الخطاب الديني، وأري أن تلك اللجنة يجب أن تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، حتى لا تقع أسيرة لأحد التيارات المشاركة سواء كانت دينية.. أو مدنية، وتترفع عن الخلافات الصغيرة من أجل تحقيق الهدف الاسمي.. تجديد الخطاب الديني، وأن تتاح للمواطنين متابعة ما يجري من حوارات داخل اللجنة، وتقديم الأفكار النابعة من الشارع المصري، ويسهل تحقيقها على أرض الواقع.