«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. جـ 2◄38
ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...
◄ الثاني والعشرون: ما أخرجه فى الصحيحين أبو قِلابة، عن أنس بن مالك. قال: ((صلَّى بنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحنُ معه بالمدينة الظهرَ أربعاً، والعصرَ بذى الحُليفة ركعتين، فباتَ بها حتَّى أصبح، ثم ركِبَ حتَّى استوت به راحِلتُه على البيداء، حَمِدَ اللَّه وسبَّح وكبَّر ثمَّ أهلَّ بحَجٍّ وعُمْرة، وأهلَّ الناسُ بهما، فلما قَدمنَا، أمرَ الناس، فحلُّوا، حتى إذا كان يومُ التَّرْويَةِ أهلُّوا بالحَج))ِ.
وفي الصحيحين
أيضاً: عن بكر بن عبد اللَّه المزنى، عن أنس قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم يُلبِّى بالحجِّ والعُمرة جميعاً، قال بكر: فحدثتُ بذلك ابنَ عمر، فقال:
لبَّى بالحَجِّ وحدَه، فلقيتُ أنساً، فحدَّثتُه بقول ابن عمر، فقال أنس: ما
تعدُّوننا إلا صِبْياناً، سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:
((لَبَّيْكَ عُمْرَةً وحَجَّاً)). وبين أنس وابن عُمر فى السِّنِّ سنةٌ، أو سنةٌ
وَشئٌ.
وفى صحيح مسلم، عن يحيى بن أبى إسحاق، وعبد العزيز
بن صهيب، وحُميد، أنهم سمِعوا أنساً قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم
أهلَّ بهما: ((لَبَّيْكَ عُمْرَةً وحَجَّاً)).
وروى أبو
يوسف القاضى، عن يحيى بن سعيد الأنصارى، عن أنس قال: سمعتُ النبىَّ صلى الله عليه
وسلم يقول: ((لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وعُمْرَةٍ معاً)).
وروى النسائى من حديث أبى أسماء، عن أنس قال: ((سمعت النبىَّ صلى الله عليه وسلم، يُلَبِّى بِهِمَا)).
وروى أيضاً من حديث الحسن البصرى، عن أنس: ((أن النبى صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالحَجِّ والعُمْرة حين صلَّى الظهر)) .
وروى
البزار، من حديث زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، عن أنس، أن النبى صلى الله عليه
وسلم، أهلَّ بحَجٍّ وعُمْرة . ومن حديث سُليمان التيمى عن أنس كذلك، وعن أبى قدامة
عن أنس مثله، وذكر وكيع: حدثنا مُصعب بن سليم قال: سمعت أنساً مثله، قال: وحدثنا
ابنُ أبى ليلى، عن ثابت البنانى، عن أنس مثله، وذكر الخشنى: حدثنا محمد بن بشار،
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى قزعة، عن أنس مثله.
وفى صحيح
البخارى، عن قتادة، عن أنس ((اعتمر رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أربَع عُمَر،
فذكرها وقال: وعُمْرة مع حَجَّته..)) وقد تقدَّم.
وذكر عبد
الرزاق: حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبى قلابة وحُميد بن هلال، عن أنس مثله، فهؤلاء
ستة عشر نفساً من الثقات، كُلُّهم متَّفِقون عن أنس، أن لفظ النبى صلى الله عليه
وسلم كان إهلالاً بحَجٍّ وعُمرة معاً، وهم الحسن البصرى، وأبو قِلابة، وحُميد بن
هلال، وحُميد بن عبد الرحمن الطويل، وقتادة، ويحيى بن سعيد الأنصارى، وثابت
البُنانى، وبكر بن عبد اللَّه المزنى، وعبد العزيز بن صُهيب، وسليمان التيمى،
ويحيى بن أبى إسحاق، وزيد بن أسلم، ومصعب بنُ سليم، وأبو أسماء، وأبو قُدامة عاصم
بن حسين، وأبو قزعة وهو سُويد بن حجر
الباهلى.
فهذه
أخبار أنس عن لفظ إهلاله صلى الله عليه
وسلم الذى سمعه منه، وهذا علىّ والبرّاء
يُخبران عن إخباره صلى الله عليه
وسلم عن نفسه بالقِران، وهذا على أيضاً،
يُخبر أَن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم
فعله، وهذا عمرُ بن الخطاب رضى اللَّه عنه، يُخبر عن رسولِ اللَّه صلى الله
عليه وسلم، أن ربَّه أمره بأن يفعله، وعلَّمه اللَّفظ الذى يقوله عند الإحرام،
وهذا على أيضاً يخبر، أنه سمعَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُلبِّى بهما
جميعاً، وهؤلاء بقيةُ مَنْ ذكرنا يخبرون عنه، بأنه فعله، وهذا هو صلى اللَّه عليه وسلم يأمُرُ به آله، ويأمر به مَن ساق الهَدْى.
وهؤلاء
الذين رَوَوُا القِران بغاية البيان: عائشة أم المؤمنين، وعبدُ اللَّه بن عمر،
وجابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عباس، وعمر بن الخطاب، وعلىّ بن أبى طالب،
وعثمان بن عفان بإقراره لعلىِّ، وتقرير
علىّ له ، وعِمران بن الحُصين، والبراء بن عازب، وحفصة أم المؤمنين، وأبو قتادة،
وابنُ أبى أوفى، وأبو طلحة، والهِرماس بن زياد، وأُمُّ سلمة، وأنسُ بن مالك، وسعدُ
بن أبى وقاص، فهؤلاء هم سبعةَ عشر صحابياً رضى اللَّه عنهم، منهم مَن روى فعله،
ومنهم مَن روى لفظ إحرامه، ومنهم مَن روى خبره عن نفسه، ومنهم مَن روى أمره به.
فإن قيل:
كيف تجعلون منهم ابن عمر، وجابراً، وعائشة، وابن عباس؟ وهذه عائشةُ تقول: ((أهلَّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحج)) وفى لفظ ((أفرد الحج)) والأول
فى الصحيحين والثانى فى مسلم وله لفظان،
هذا أحدهما والثانى((أهلَّ بالحج مُفرِدا))ً، وهذا ابنُ عمر يقول: ((لبَّى بالحجِّ
وحدَه)). ذكره البخارى، وهذا ابن عباس يقول: ((وأهلَّ رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم بالحج)) رواه مسلم، وهذا جابر يقول: ((أفرد الحج)) رواه ابن ماجه.
قيل: إن
كانت الأحاديث عن هؤلاء تعارضت وتساقطت، فإن أحاديث الباقين لم تتعارض، فهب أن
أحاديث مَن ذكرتم لا حُجة فيها على القِران، ولا على الإفراد لتعارضها، فما
الموجبُ للعدول عن أحاديث الباقين مع صراحتها وصحتها؟ فكيف وأحاديثُهم يُصدِّقُ
بعضُها بعضاً ولا تعارض بينها، وإنما ظنَّ مَن ظن التعارض لعدم إحاطته بمراد
الصحابة من ألفاظهم، وحملها على الاصطلاح الحادث بعدهم.
ورأيت لشيخ الإسلام فصلاً حسناً فى اتفاق أحاديثهم نسوقه بلفظه، قال: والصوابُ أن الأحاديث فى هذا الباب متفقة ليست بمختلفة إلا اختلافاً يسيراً يقع مثلُه فى غير ذلك، فإن الصحابة ثبت عنهم أنه تمتَّع، والتمتع عندهم يتناولُ القِران، والذين رُوى عنهم أنه أفرد، رُوى عنهم أنه تمتع، أما الأول: ففى الصحيحين عن سعيد بن المسيِّب قال: اجتمع على وعثمان بعُسفانَ، وكان عثمان ينهى عن المُتعة أو العُمرة، فقال علىُّ رضى اللَّه عنه: ((ما تريد إلى أمر فعله رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا مِنك . فقال: إنى لا أستطيعُ أن أدَعك.
فلما رأى علىُّ رضى عنه ذلك، أهلَّ بهما جميعاً)) هذا يُبين أن مَن جمع بينهما كان متمتعاً عندهم، وأن هذا هو الذى فعله النبى صلى الله عليه وسلم، ووافقه عثمان على أن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، لكن كان النزاعُ بينهما: هل ذلك الأفضل فى حقنا أم لا؟ وهل شُرِع فسخُ الحج إلى العُمْرة فى حقنا كما تنازع فيه الفقهاء؟ فقد اتفق علىٌّ وعثمان، على أنه تمتَّع، والمراد بالتمتع عندهم القِران، وفى الصحيحين عن مطرِّف قال: قال عِمران بن حصين ((إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جمع بين حجٍّ وعُمْرة، ثم إنه لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرِّمه)).
وفى رواية عنه: تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم
وتمتعنا معه، فهذا عِمران وهو من أجلِّ السابقين الأوَّلين، أخبر أنه تمتع، وأنه
جمع بين الحجِّ والعُمْرة، والقارِن عند الصحابة متمتِّع، ولهذا أوجبوا عليه
الهَدْىَ، ودخل فى قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ} [البقرة: 196]، وذكر حديث عمر عن النبى صلى الله عليه
وسلم: ((أتانى آتٍ مِنْ ربِّى فقال: صَلِّ فى هذَا الوَادِى المُبارَكِ وقل:
عُمْرَةٌ فى حَجَّة)).
قال:
فهؤلاء الخلفاء الراشدون: عمر، وعثمان، وعلىّ، وعِمران بن حُصين، روىَ عنهم بأصح
الأسانيد، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قرن بين العُمرة والحج، وكانوا يسمون
ذلك تمتعاً، وهذا أنس يذكر أنه سِمع النبى صلى الله عليه وسلم يُلبِّى بالحجِّ
والعُمرة جميعاً.
وما ذكره
بكرُ بن عبد اللَّه المزنى، عن ابن عمر، أنه لبَّى بالحج وحده، فجوابه أن الثقات
الذين هم أثبتُ فى ابن عمر من بكر مثل سالم ابنه، ونافع رَوَوْا عنه أنه قال:
تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالعُمْرة إلى الحج، وهؤلاء أثبتُ فى ابن
عمر من بكر . فتغليطُ بكر عن ابن عمر أولى من تغليط سالم ونافع عنه، وأولى من
تغليطه هو على النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ويُشبه أن ابن عمر قال له: أفردَ الحج،
فظن أنه قال: لبَّى بالحج، فإن إفراد الحج، كانوا يُطلقونه ويُريدون به إفراد
أعمال الحج، وذلك رد منهم على مَن قال: إنه قرن قِراناً طاف فيه طوافين، وسعى فيه
سعيين، وعلى مَن يقول: إنه حلَّ من إحرامه، فرواية مَن روى من الصحابة أنه أفرد
الحج، تردُّ على هؤلاء، يبين هذا ما رواه مسلم فى صحيحه عن نافع، عن ابن عمر، قال:
أهللنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحجِّ مُفرداً، وفى رواية: أهل
بالحجِّ مفرداً.
فهذه الرواية إذا قيل: إن مقصودها أن النبى صلى الله عليه وسلم أهلَّ بحج مفرداً، قيل: فقد ثبت بإسناد أصحَّ من ذلك، عن ابن عمر، أن النبى صلى الله عليه وسلم تمتع بالعُمْرة إلى الحَج، وأنه بدأ، فأهلَّ بالعُمْرة ثم أهلَّ بالحَج، وهذا مِن رواية الزهرى، عن سالم، عن ابن عمر وما عارض هذا عن ابن عمر، إما أن يكون غلطاً عليه، وإما أن يكون مقصُوده موافقاً له، وإما أن يكون ابن عمر لما علم أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَحِلَّ، ظنَّ أنه أفرد، كما وَهِمَ فى قوله: إنه اعتمر فى رجب، وكان ذلك نسياناً منه، والنبى صلى الله عليه وسلم لما يَحِلَّ من إحرامه، وكان هذا حال المفرد ظن أنه أفرد، ثم ساق حديث الزهرى، عن سالم، عن أبيه: ((تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ...)) الحديث.
وقول الزهرى: وحدثنى عُروة، عن عائشة بمثل حديث سالم عن أبيه قال: فهذا مِن أصح حديثٍ على وجه الأرض، وهو من حديث الزهرى أعلم أهلِ زمانه بالسُّـنَّة، عن سالم، عن أبيه، وهو من أصح حديث ابن عمر وعائشة.
وقد ثبت
عن عائشة رضى اللَّه عنها فى الصحيحين ((أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر أربعَ
عُمَر، الرابعة مع حَجَّته)) . ولم يعتمِرْ بعد الحَجِّ باتفاق العلماء، فيتعينُ
أن يكون متمتِّعاً تمتُّع قِران، أو التمتع الخاص.
وقد صح عن
ابن عمر، أنه قرن بين الحَجِّ والعُمْرة، وقال: ((هكذا فعل رسولُ اللَّه صلى الله
عليه وسلم)) رواه البخارى فى الصحيح.
قال: وأما
الذين نُقِلَ عنهم إفراد الحج، فهم ثلاثة: عائشة، وابن عمر، وجابر، والثلاثة
نُقِلَ عنهم التمتع، وحديث عائشة وابن عمر:أنه تمتع بالعُمْرة إلى الحَجِّ أصحُّ
من حديثهما، وما صح فى ذلك عنهما، فمعناه إفرادُ أعمال الحج، أو أن يكون وقعَ منه
غلط كنظائره، فإن أحاديث التمتع متواترة رواها أكابرُ الصحابة، كعمر، وعثمان،
وعلى، وعِمران بن حصين، ورواها أيضاً:عائشة، وابنُ عمر، وجابر، بل رواها عن النبى
صلى الله عليه وسلم بضعة عشر من الصحابة.
قلت: وقد
اتفق أنس، وعائشة، وابن عمر، وابن عباس، على أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَر، وإنما وهم ابنُ عمر فى كون
إحداهن فى رجب، وكلهم قالوا: وعُمْرة مع حَجَّته، وهم سوى ابن عباس. قالوا: إنه أفرد
الحج، وهم سوى أنس، قالوا: تمتع . فقالوا: هذا، وهذا، وهذا، ولا تناقض بين
أقوالهم، فإنه تمتعَ تَمَتُّعَ قِران، وأفرد أعمال الحج، وقرن بين النُّسكين، وكان
قارناً باعتبار جمعه بين النُّسكين، ومفرداً باعتبار اقتصاره على أحد الطوافين
والسعيين، ومتمتِّعاً باعتبار ترفُّهه بترك أحد السفرين.
ومَن تأمل
ألفاظَ الصحابة ، وجمع الأحاديث بعضها إلى بعض، واعتبر بعضها ببعض، وفهم لغةَ
الصحابة ، أسفر له صُبْحُ الصواب ، وانقشعت عنه ظلمة الاختلاف والاضطراب ، واللَّه
الهادى لسبيل الرشاد، والموفق لطريق السداد.
فمَن قال : إنه أفرد الحج وأراد به أنه أتى بالحج مفرداً ، ثم فرغ منه ، وأتى بالعُمْرة بعده من التنعيم أو غيره ، كما يظن كثيرٌ من الناس ، فهذا غلط لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولا الأئمة الأربعة ، ولا أحد من أئمة الحديث. وإن أراد به أنه حَجَّ حَجَّاً مفرداً ، لم يعتمِرْ معه كما قاله طائفة من السَلَف والخَلَف، فوهم أيضاً ، والأحاديث الصحيحة الصريحة ترده كما تبَيَّن، وإن أراد به أنه اقتصر على أعمال الحج وحده ولم يفرد للعُمْرة أعمالا ، فقد أصاب، وعلى قوله تدل جميع الأحاديث.
ومَن قال: إنه قرن، فإن أراد به أنه طاف للحَجِّ طوافاً على حدة
، وللعُمْرة طوافاً على حدة، وسعى للحَجِّ سعياً ، وللعُمْرة سعياً ، فالأحاديث
الثابتة ترد قوله ، وإن أراد أنه قرن بين النُّسكين ، وطاف لهما طوافاً واحداً،
وسعى لهما سعياً واحداً ، فالأحاديث الصحيحة تشهد لقوله ، وقولُه هو الصواب.
ومَن قال: إنه تمتَّع ، فإن أراد أنه تمتَّع تَمَتُّعاً حلَّ منه ، ثم أحرم بالحَجِّ
إحراماً مستأنفاً ، فالأحاديث تردُّ قوله وهو غلط ، وإن أراد أنه تمتع تمتعاً لم
يَحِلَّ منه ، بل بقى على إحرامه لأجل سَوْق الهَدْى ، فالأحاديث الكثيرة تردُّ
قولَه أيضاً ، وهو أقلُّ غلطاً ، وإن أراد تمتع القِران ، فهو الصوابُ الذى تدل
عليه جميع الأحاديث الثابتة ، ويأتلف به شملُها ، ويزول عنها الإشكالُ والاختلاف.
◄ فى
الأغاليط التى وقع فيها بعض العلماء فى عُمَر النبى صلى الله عليه وسلم
غَلِط فى عُمَر النبىَّ صلى الله عليه وسلم خمسُ طوائف.
إحداها:
مَن قال : إنه اعتمر فى رجب ، وهذا غلط ، فإن عُمَرَهُ مضبوطةٌ محفوظة ، لم يخرُج
فى رجب إلى شئ منها البتة .
الثانية:
مَن قال : إنَّه اعتمر فى شوَّال ، وهذا أيضاً وهم ، والظاهر واللَّه أعلم
أن بعضَ الرواة غَلِطَ فى هذا ، وأنه اعتكف فى شوَّال فقال : اعتمر فى
شوَّال ، لكن سياق الحديث ، وقوله : (( اعتمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث
عُمَرٍ : عُمْرة فى شوَّال ، وعُمْرتين فى ذى القِعْدَة)) يدل على أن عائشة ، أو
مَنْ دونها ، إنما قصد العُمْرة.
الثالثة:
مَن قال : إنَّه اعتمر من التَّنعيم بعد حَجه ، وهذا لم يقُلْه أحد من أهل العلم ،
وإنما يظنُّه العوام ، ومن لا خِبرة له بالسُّـنَّة .
الرابعة: مَن قال : إنَّه لم يعتمِرْ فى حَجَّته أصلاً ، والسُّـنَّة الصحيحةُ المستفيضة التى لا يُمكن ردُّها تُبطِلُ هذا القول .
الخامسة: مَن قال : إنَّه اعتمر عُمْرة حلَّ منها ، ثم أحرم بعدها بالحج من مكة ، والأحاديث الصحيحةُ تُبطِلُ هذا القول وترده .
فى الأوهام التى وقع فيها بعض العلماء فى حج النبى صلى الله عليه وسلم
ووهم فى حَجه خمسُ طوائف:
الطائفة الأولى: التى قالت: حَجَّ
حَجّاً مفرداً لم يعتمِرْ معه .
الثانية: مَن قال : حجَّ متمتعاً تمتعاً حلَّ منه ، ثم أحرم بعده بالحج ، كما قاله القاضى أبو يعلى وغيره .
الثالثة: مَن قال : حج متمتعاً تمتعاً لم يَحِلَّ منه لأجل سَوْق الهَدْى ، ولم يكن قارناً ، كما قاله أبو محمد بن قدامة صاحب (( المغنى )) وغيره .
الرابعة: مَن قال : حجَّ قارناً قِراناً طاف له طوافين ، وسعى له سعيين .
الخامسة: مَن قال : حجَّ حَجّاً مفرداً ، واعتمر بعده من التنعيم .
فى الأغاليط التى وقع فيها بعض العلماء فى إحرام النبى صلى الله عليه وسلم
وغلط فى إحرامه خمسُ طوائف...
إحداها: مَن قال : لبَّى بالعُمرة وحدَها ، واستمر عليها.
الثانية: مَن قال : لبَّى بالحَجِّ
وحده ، واستمر عليه.
الثالثة: مَن قال : لبَّى بالحَجِّ مُفرداً ، ثم أدخل عليه العُمْرة ، وزعم أن ذلك خاص به.
الرابعة: مَن قال : لبَّى بالعُمرة
وحدها ، ثم أدخل عليها الحَج فى ثانى الحال.
الخامسة: مَن قال : أحرم إحراماً مطلقاً لم يعيِّن فيه نُسُكاً ، ثم عيَّنه بعد إحرامه.
والصوابُ: أنه أحرم بالحَجِّ والعُمرة معاً مِنْ حين أنشأ الإحرام ، ولم يحلَّ حتى حلَّ منهما جميعاً، فطاف لهما طوافاً واحداً، وسعى لهما سعياً واحداً. وساق الهَدْى ، كما دلَّت عليه النصوصُ المستفيضة التى تواترت تواتراً يعلمُه أهلُ الحديث.. واللَّه أعلم.